/ زينب سلهب /
قضت محكمة تونسية بسجن زعيم حركة “النهضة” المعارضة في تونس راشد الغنوشي (81 عامًا) ، سنة واحدة، على خلفية قضية “تمجيد الإرهاب” ووصف عناصر الأمن التونسي بأنهم “طواغيت”، والتي كان تم توقيفه فيها منذ نحو شهر.
ويأتي سجن الغنوشي في سياق تكرار النموذج المصري في العلاقة بين السلطة وبين حركة “الإخوان المسلمين”، مع فارق أن “إخوان تونس” في حركة “النهضة” كانوا أكثر تعففًا بالسلطة عندما فازوا بالبرلمان، بعد “الانتفاضة” التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأطلقت شرارة ما أُطلق عليه “الربيع العربي” الذي شكّلت فيه حركة “الإخوان المسلمين” رأس حربة، وتمدّدت في كل من ليبيا ومصر وسوريا والسودان، بينما نجحت دول عربية أخرى في احتوائها سريعًا، كالمغرب والأردن والجزائر.
وعلى غرار “التجربة المصرية” لحكم حركة الإخوان” والتي انتهت بسجن الرئيس محمد مرسي وعدد كبير من قيادات حركة “الإخوان”، دفع “الفرع” التونسي من “الإخوان” الذي تعبّر عنه حركة “النهضة”، ومعها رئيسها راشد الغنوشي، الثمن نفسه الذي دفعته “شقيقتها” في مصر.
يعتبر راشد الغنوشي من أهم المفكرين والسياسيين في تونس فيما يخص السياسة والديموقراطية والإسلام، وله أكثر من 20 مؤلفًا، وقد عرف بمواقفه البارزة في السياسة. هو رئيس “حركة النهضة”، الإسم التونسي لـ”حركة الإخوان المسلمين” العالمية.
لعب دورًا سياسيًا مهمًا بعد الثورة في تونس عام 2011، بالإضافة إلى تسلمه منصب مساعد الأمين العام لشؤون القضايا والأقليات في “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ثم نائب رئيس “الاتحاد”.
حصل الغنوشي خلال مسيرته السياسية على العديد من الجوائز الدولية للسلام، ودخل في البرلمان التونسي العام 2019 وانتخب رئيسًا له، ولكن سرعان ما جمدت عضويته عام 2021 بأمر رئاسي من الرئيس قيس سعيد مع بداية الأزمة السياسية التي بدأت في تونس.
وقد تعرض الغنوشي منذ بداية مسيرته السياسية العام 1969، للاعتقال والتعذيب في الثمانينات، وحكم بالإعدام مرتين في التسعينات، مما أجبره على البقاء في المنفى في لندن بين 1989 و2011، أي لأكثر من 20 سنة، وبعد نجاح “الربيع التونسي” الذي أطلق ما يسمّى “الربيع العربي” العام 2011، عاد الغنوشي إلى بلاده.
وقد جرى اعتقاله على خلفية تصريحات اعتبرت “محرضة على الحرب الأهلية” في 17 نيسان من العام 2023.
ما هي القضية التي اتهم بها؟
تتالت التحقيقات مع الغنوشي منذ العام 2022، للنظر في العديد من التهم التي وجهتها له النيابة العمومية التونسية، والمتمثلة في “غسيل الأموال في إطار وفاق وباستغلال التسهيلات التي خوّلتها خصائص الوظيفة والنشاط المهني والاجتماعي والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مواجهة بعضهم بعضًا، وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وذلك بمحاولة المس بسلامة التراب التونسي”.
ويوم 17 نيسان 2023 أوقفت الشرطة التونسية راشد الغنوشي بعد مداهمة منزله، وذلك إثر صدور مذكرة توقيف من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، واحتفظت به على ذمة التحقيق في قضية تتعلق بتصريحات كان أدلى بها أثناء حضوره اجتماعًا دعت إليه “جبهة الخلاص” المناهضة للرئيس قيس سعيد، واعتبرتها السلطة التنفيذية ذات طابع تحريضي.
وقد مثل الغنوشي أمام القاضي في التحقيق في محكمة بمحافظة سوسة (شرق) في قضيّة ما عرف بـ”أنستالينغو”.
ما هي قضية “انستالينغو”؟
تتعلق قضية “انستالينغو” بتعاملات مالية مشبوهة لشركة انتاج خاصة بالمحتوى الرقمي، وملاحقة منذ العام 2021 بتهمة التحريض على العنف والتآمر ضد الدول.
وبدأ التحقيق في هذه القضية في أواخر تموز 2021، بعد احتكار الرئيس التونسي قيس السعيد السلطات في البلاد، بحيث تم تجميد حسابات 10 أشخاص لمتابعة التحقيق في القضية، ومن بينهم الغنوشي.
واستُدعي الغنوشي في 19 تموز الماضي للتحقيق معه في قضية أخرى تتعلق بتبييض أموال وفساد، ونفت حركة “النهضة” التّهم الموجّهة لزعيمها.
وكان القضاء التونسي أصدر في 27 حزيران قرارًا بمنع سفر الغنوشي في إطار التحقيق معه في قضية اغتيالات سياسية حدثت في 2013.
من هي “حركة النهضة” التي يرأسها الغنوشي؟
“حركة النهضة” (حركة الاتجاه الإسلامي سابقًا) هي الحركة التاريخية التي مثلت تيار الإسلام السياسي في تونس، بالجذور الفكرية لحركة “الإخوان المسلمين”، ولكنها تحولت عام 2016 إلى حركة مدنية.
تأسست عام 1972 خلال فترة الصحوة الإسلامية، وأعلنت رسميًا عن نفسها في 6 حزيران 1981.
لم يُعترف بالحركة كحزب سياسي في تونس إلا في 1 آذار 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي الثانية بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد، على إثر اندلاع الثورة التونسية في 17 كانون الثاني 2010.
وتُعد حركة “النهضة” في الوقت الحاضر من بين أهم الأحزاب السياسية في تونس.
فازت حركة “النهضة” بانتخابات 23 تشرين الأول 2011، أول انتخابات ديموقراطية في البلاد، لكنها رفضت تسلّم الحكم منفردة في تونس على غرار ما فعلت حركة “الإخوان المسلمين” في مصر، وأصرّت حركة “النهضة” على شراكة سياسية في الحكم ضمن تحالف “الترويكا” مع حزبين آخرين، في إطار حكومة حمادي الجبالي وحكومة علي العريض القياديين فيها، وذلك حتى 2014.
في انتخابات 26 تشرين الثاني 2014، حلت في المرتبة الثانية وشاركت في حكومة الحبيب الصيد ضمن تحالف رباعي، ولكنها لم ترشح أحدًا من صفوفها في الانتخابات الرئاسية التونسية 2014.
في 2018، اتهم محامون وسياسيون حركة “النهضة” بتشكيل منظمة سرية اخترقت قوات الأمن والقضاء. كما اتهموا الحركة بأنها كانت وراء اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي العام 2013، وهما زعيمان سياسيان تقدميان من تحالف “الجبهة الشعبية” الانتخابي اليساري.
ونفت حركة “النهضة” الاتهامات واتهمت “الجبهة الشعبية” بتشويه صورتها، وأنها تستغل قضية الاغتيال للوصول إلى السلطة بعد فشلها بالوسائل الديموقراطية.