“فاغنر”.. قوات روسيا المجهولة!

/ جيهان زعتر /

مجموعة “فاغنر”، هي منظمة روسية شبه عسكرية، وصفها البعض بأنها شركة عسكرية خاصة أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري، وقيل إن مقاوليها شاركوا في صراعات مختلفة، بما في ذلك العمليات في الحرب الأهلية السورية إلى جانب الحكومة السورية، وكذلك في الفترة من 2014 إلى 2015 في الحرب في دونباس في أوكرانيا، لمساعدة القوات التابعة للجمهوريات الشعبية دونيتسك ولوهانسك التي أعلنت انفصالها عن أوكرانيا.
يرى آخرون، أن “فاغنر” هي وحدة تتمتّع بالاستقلالية، تابعة لوزارة الدفاع الروسية أو مديرية المخابرات الرئيسية، خفية، وتستخدمها الحكومة الروسية في النزاعات التي تتطلب الإنكار، حيث يتم تدريب قواتها على منشآت وزارة الدفاع.


وكانت الشكوك سابقاً أنها مملوكة لرجل الأعمال يفغيني بريغوجين، الذي له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى اعترف هو بنفسه في أيلول من العام الماضي، وبعد ستة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، أنه أسس مجموعة “فاغنر”، بعد ما أثبتت أنها واحدة من أكثر الوحدات الروسية فعالية في الحرب.
“قمت بتنظيف الأسلحة القديمة بنفسي، وقمت بفرز السترات الواقية من الرصاص شخصياً، ووظفت متخصصين يمكنهم مساعدتي في ذلك. كان ذلك في أيار 2014، حينها ولدت مجموعة وطنية وهي التي أصبحت في ما بعد تسمى كتيبة فاغنر”.
من هو يفغيني بريغوزين؟
هو زعيم مجموعة “فاغنر”، الذي لا يغيب عن الأضواء، حليف بوتين الذي يقود مجموعة يُعتقد أنها تمثل حوالي 10 في المئة من جميع القوات الروسية في أوكرانيا.


ينحدر كل من بريغوزين وبوتين من مدينة سان بطرسبرغ، ثاني أكبر مدن روسيا، وتعود علاقتهما ربما إلى التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان بوتين يعمل في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، وكان يتردد حينها على مطعم بريغوزين الذي كان يحظى بشعبية بين المسؤولين المحليين، ويظهر في إحدى أشهر صوره وهو يقدم طبقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد عُرف الرجل في ما بعد بلقب “طباخ بوتين”.
ازدهرت أعمال بريغوزين في مجال الإطعام، وتوسعت بعد إبرام عقود مع الجهات الحكومية، مثل المدارس ورياض الأطفال وفي النهاية مع الجيش، إذ وصلت قيمة هذه العقود إلى أكثر من 3 مليارات دولار، وفقاً لتحقيق أجرته مؤسسة مكافحة الفساد التي أسسها السياسي المعارض الروسي أليكسي نافالني.
ولسنوات عديدة، نفى بريغوزين صلاته بمجموعة “فاغنر”، بل رفع دعوى قضائية ضد الصحافيين الذين اتهموه أنه هو من أسسها.
عمليات “فاغنر”
ظهرت “فاغنر” لأول مرة في شرق أوكرانيا في العام 2014، حيث ساعدت الانفصاليين المدعومين من روسيا في السيطرة على الأراضي الأوكرانية، وفي إنشاء جمهوريتين منفصلتين في منطقتي دونيتسك ولوهانسك.


ومنذ العام 2014 شاركت “فاغنر” في العديد من الصراعات في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في سوريا وفي العديد من البلدان في أفريقيا.
ويقال إن المجموعة تشارك في الأعمال العسكرية في عدد من الدول التي تشهد صراعات داخلية، مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية فيها. فعلى سبيل المثال، ذُكر أن عناصر المجموعة تحرس حقول النفط التي تسيطر عليها الحكومة السورية، مقابل الحصول على نسبة من عائدات الحقل.
وفي ليبيا قاتلت “فاغنر” إلى جانب الجنرال خليفة حفتر، عندما حاول الأخير الإطاحة بالحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، وتم تمويل المرتزقة من الدخل الناتج عن صناعة النفط في البلاد.


في جمهورية أفريقيا الوسطى، تقف المجموعة إلى جانب الحكومة الحالية في مواجهة المسلحين الإسلاميين المتشددين.
ويقول خبراء عسكريون إن الأسلحة المتطورة التي استخدمها مقاتلو “فاغنر” في ليبيا غير متوفرة في سوق الأسلحة، ولا يمكن الحصول عليها إلا من خلال اتصالات حكومية على أعلى المستويات.
وفي العام الماضي، ومع انطلاق الحرب الروسية ـ الأوكرانية مباشرة، قال المسؤولون الأميركيون إنه تم نشر ما لا يقل عن ألف مرتزق في شرق أوكرانيا. وقال جون إف كيربي، السكرتير الصحفي للبنتاغون في إفادة صحفية وقتها: “نحن نعلم أنهم هناك، ونعلم أنهم يريدون تعزيز وجودهم هناك في أوكرانيا”.
وقد ظهر بريغوزين في مقطع فيديو في أيلول الماضي وهو يتحدث إلى سجناء في باحة سجن روسي، ويعدهم بأنه في حالة سفرهم إلى أوكرانيا للقتال لمدة ستة أشهر، فسوف يتم تخفيف فترات العقوبة بحقهم.
وتشير التقديرات إلى أن عشرين ألفاً من عناصر مجموعة “فاغنر” يقاتلون حالياً في أوكرانيا.

ورغم انخراطهم بشكل متزايد في الحرب، إلا أنه لا يمكن الوقوف على فاعلية عناصر “فاغنر” في ساحات المعارك بشكل قاطع، فيما يقول خبراء إن “فاغنر” تكبدت خسائر بشرية كبيرة من دون إحراز تقدم كبير يصب في صالح القوات الروسية.
ويقول الجيش الأوكراني إن “فاغنر” تستخدم عناصرها كوقود حرب، وإن عدداً كبيراً من مقاتليها قتلوا، وخاصة في المعارك الضارية التي تدور حول مدينتي سوليدار وباخموت شرقي أوكرانيا.
مخالفةٌ للدستور الروسي.. ولكن!
لا يجيز الدستور الروسي إنشاء شركات عسكرية خاصة أو جيش مرتزقة، إذ ينص على أن مسؤولية الأمن والدفاع عن البلاد تقع على عاتق الدولة دون غيرها، فيما يحظر القانون الروسي على المواطنين الروس العمل كمرتزقة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القانون يسمح للشركات التي تديرها الحكومة بإنشاء وامتلاك قوات أمن مسلحة خاصة، وهي ثغرات قانونية تمثل منطقة رمادية شبه قانونية تتيح لمجموعة “فاغنر” العمل.


لكن روسيا ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك شركات عسكرية خاصة، بل يمتد الأمر إلى دول مثل الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والعراق وكولومبيا، إذ تمتلك هذه الدول شركات عسكرية خاصة تعمل داخلها وخارجها. إلا أن هذه الشركات العسكرية الخاصة تعمل بشكل متواضع.
وقد دقت المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة ناقوس الخطر، حيال ظاهرة انتشار المرتزقة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة، في النزاعات المسلحة التي تعصف بالكثير من بلدان العالم.