لم تعترف نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان بأن التضخّم في أسعار المواد الغذائية، ارتفع 261 % في سنة واحدة ما بين شباط 2022 وشباط 2023، كما ورد في تقرير البنك الدولي، بل حاولت تبرير هذه الارتفاعات بحجة غير مقنعة، وهي أن الأسعار ما تزال على حالها بالدولار، وأن الارتفاع هو فقط بالليرة اللبنانية!.
في بيان النقابة تبرير غير مقنع لهذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، لأن ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء لم يكن وحده المسؤول عن ارتفاع الأسعار، بل إن الجشع هو أكبر مسؤول عن هذا الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، سواء المستورد منها أو ذات الانتاج المحلّي، فضلاً عن المزروعات المحلية التي لا تتأثر بسعر الدولار إلا من حيث كلفة النقل وأجور العمال الزراعيين التي ما تزال هزيلة جداً.
ثمة ملاحظات أساسية تدحض حجة مستوردي المواد الغذائية، وتؤكّد أنهم يرفعون أسعارهم، حتى بالدولار الأميركي، ويزيدون أرباحهم التي أصبحت فاحشة:
1 ـ إن غالبية مستوردي المواد الغذائية يقومون بشراء الدولار على سعر منصة “صيرفة”، ويستوردون بضائعهم على أساس سعر “صيرفة”، وبيان مصرف لبنان واضح بهذا الشأن من أنه يمنع مستوردي المحروقات فقط من شراء الدولار على سعر “صيرفة”، وهو ما يتبيّن من حجم التداول اليومي على منصّة “صيرفة”، فضلاً عن وجود فواتير لدى مصرف لبنان بعمليات فتح الاعتمادات لاستيراد المواد الغذائية، لكنهم يبيعون المواد الغذائية المستوردة على أساس سعر الدولار في السوق السوداء.
2 ـ كشفت عملية “دولرة” الأسعار في السوبرماركت ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالدولار نفسه، ولمس اللبنانيون بوضوح التلاعب الذي يحصل، حيث كان سعر السلعة الغذائية نفسها يرتفع بالدولار الأميركي عندما يتراجع سعره في السوق السوداء، وبشكل يومي، ولا يمكن بالتالي ربط هذا الارتفاع بأي سبب مقنع.
3 ـ حصلت مؤخراً زيادة في الرسوم الجمركية على بعض السلع، من خلال رفع قيمة الدولار الجمركي، لكن ارتفاع الأسعار لم يكن أبداً متناسباً مع هذه النسب في الزيادة، وإنما تجاوزتها بكثير، واتخذ التجار من رفع الدولار الجمركي حجة لزيادة الأسعار والأرباح.
4 ـ حصل أيضاً مؤخراً اعتماد ضريبة الـTVA على أساس سعر صيرفة، فلجأ التجار إلى رفع الأسعار مجدداً، وبعضهم رفع الأسعار أكثر من قيمة ضريبة القيمة المضافة.
5 ـ يلمس اللبنانيون الفوارق الكبيرة في الأسعار بين سوبرماركت وأخرى لنفس السلعة، وهو أمر أصبح متعارفاً عليه بينهم، وثمة روايات كثيرة حول ما يحصل في السوبرماركت وما يحصل بينها وبين التجار، علماً أن أصحاب السوبر ماركت في لبنان هم من بين أكبر مستوردي المواد الغذائية، وبالتالي لا يمكن القول إن لا علاقة لمستوردي المواد الغذائية بالسوبرماركت.
بعد هذه الأسباب التي يعرفها اللبنانيون، ويكتشفون يومياً أن التجار لا يرتدعون عن زيادة الأسعار، فإن الاستمرار بهذا السلوك وهذا الإنكار، يعني أن مستوردي المواد الغذائية مستمرون بسياسة رفع الأسعار وزيادة أرباحهم، بينما تغيب أكهزة الدولة العاجزة عن ضبطهم ومحاسبتهم.
ومع زيادة الأسعار التي حصلت خلال شهري آذار ونيسان الماضيين، والزيادة التي ستحصل في شهر أيار، فإنه من المتوقّع أن يسجّل مؤشر ارتفاع الأسعار في 3 أشهر فقط، ارتفاعاً يوازي أو يفوق ما سجّله في سنة كاملة وفق تقرير البنك الدولي، طالما أن المحاسبة غائبة والدولة معطّلة والضمير في إجازة.