ازدحمت الملفات في لبنان اليوم من تصاعد الاتصالات والمواقف المتعلقة باستحقاق الانتخاب الرئاسي واطلالة رئيس المردة سليمان فرنجية التلفزيونية مساء اليوم الى اجتماع السراي في شأن النازحين السوريين وقبله نجاح تعاميم وزارة الداخلية والبلديات في الحؤول دون قيام السوريين بتظاهرات احتجاج امام مكاتب مفوضية اللاجئين على اجراءات اتخذت بحق عدد منهم في الأيام العشرة الماضية وبالتالي ما حال دون قيام تظاهرات مضادة في حال كان نفذ النازحون تحركهم .
ولقد افضى اجتماع السراي الى تكليف وزيري الشؤون الاجتماعية والعمل وأمين عام المجلس الاعلى للدفاع ومدير عام الأمن العام بالإنابة متابعة تنفيذ مقررات اللجنة والتنسيق بشأنها مع دمشق ورفع تقارير دورية بهذا الشأن إلى اللجنة الوزارية ..موضوع النازحين حضر أيضا في دار الفتوى وكذلك بين ابو صعب والسفيرة الايطالية..عدد من البلديات شرعت في الإجراءات.
أمنيا” في مخيم البداوي شمالا” أوقفت دورية من معلومات الأمن العام (ع. ح. فلسطيني الجنسية) بتهمة تواصله مع مجموعات إرهابية.
وفي مجريات هذا اليوم أيضا زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان الذي تحدد برنامج رسمي للقاءاته: اجتماع غدا مع رئيس البرلمان نبيه بري وآخر مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وثالث مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب ناهيك بلقاءات أخرى في خلال زيارة اليومين والتي تأتي ترجمة لمفاعيل الاتفاق السعودي الايراني التي بدأت تقترب من لبنان مع الاشارة الى أن زيارة عبد اللهيان هي أول تحرك رسمي إيراني في اتجاه لبنان ما بعد اتفاق بكين.. عبد اللهيان يختتم زيارته قبل ظهر الجمعة بمؤتمر صحافي في المقر الجديد للسفارة الايرانية.
في زمن الاتفاق السعودي الايراني والتطورات الايجابية التي لفحت المنطقة بفعله ترصد الرادارات ما ستحمله زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان الى بيروت عشية استعداد الرياض لقمتين: تجمع الاولى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي فيما تحتضن الثانية العرب في قمتهم المقررة في 19 ايار المقبل.
في أجندة عبد اللهيان لقاءات مع كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب.
وفي أجندة المواعيد اللبنانية ترقب لمضمون إطلالة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية والعناوين والمواقف التي سيعلنها حول الاستحقاق الرئاسي.
في شأن متصل وبعد كلام لأمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط أوحى من خلاله ان الرئيس نبيه بري لا يصر على ترشيح فرنجية أشارت مصادر مقربة من عين التينة ل”سفير الشمال” الى أن الرئيس بري متمسك الى أبعد الحدود بفرنجية انطلاقا من قناعته بأنه يتمتع بالمواصفات التي يحتاجها لبنان، لجهة التفاهم مع الجانب السوري حول القضايا والازمات العالقة وإيمانه باتفاق الطائف، وقدرته على مقاربة ملف الاستراتيجية الدفاعية
وبالحديث عن ملف النزوح رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعين اليوم في السراي لبحث ملف النازحين السوريين في لبنان ولمتابعة عودتهم الى بلادهم بأمان وتم اتخاذ جملة قرارات ستتم متابعة تنفيذها.
لا ملف يتقدم على ملف النازحين السوريين. فالشحن الإعلامي، وخصوصا عبر مواقع التواصل الإجتماعي، يتصاعد بقوة، ما يوحي أن ثمة جهات وطوابير خامسة، وسادسة حتى، تحاول الدخول على الخط لتعميق الشرخ بين اللبنانيين والنازحين السوريين. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إستوعب أخيرا خطورة الموضوع، فدعا إلى اجتماعين في السرايا لبحث ملف النازحين، وأبرز ما خلص إليه الإجتماعان: إسقاط صفة النازح عن كل من يغادر الأراضي اللبنانية ليزور سوريا.
طبعا القرار مهم، لكن العبرة تبقى في التنفيذ، وخصوصا أن القرارات الصادرة عن الإجتماعين نصت على تنفيذ قرارات حكومية أخرى تعود إلى الأعوام 2014 و2019 و2020. فما لم ينفذ منذ تسعة أعوام، ماذا يضمن أنه سينفذ في العام 2023؟ وبالتالي ألم يكن أولى بالحكومة أن تطرح أمام المواطنين الأسباب التي حالت دون تنفيذ القرارات السابقة قبل أن تصدر قرارات جديدة يحق للجميع التشكيك في تنفيذها؟ على أي حال التجربة خير برهان، وعند الإمتحان ستكرم الحكومة الميقاتية أو.. تهان!
سياسيا، زيارة وزير الخارجية الايرانية هي الحدث، واللافت فيها امران. الاول، ان حسين امير عبد اللهيان سيستهلها بلقاء مع قيادة حزب الله لا مع اركان الدولة اللبنانية. برنامج الزيارة يؤكد كيف ان الجمهورية الاسلامية في ايران لا تعتبر الدولة اللبنانية اولوية بالنسبة اليها، وانها لا تتعامل معها كدولة ذات سيادة. باختصار: ايران تعتبر الحزب ذراعها السياسية والعسكرية في لبنان، بالتالي فان لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين هي في اطار لزوم ما لا يلزم!
اللافت الثاني ان عبد اللهيان سيعقد غدا اجتماعا مع 32 نائبا لبنانيا، والهدف واضح: توجيه رسالة الى من يعنيهم الامر ان ايران ناخب كبير في الاستحقاق الرئاسي، وانه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية من دونها ! الا يعني استعراض القوة الايراني ان ايران تدرك في العمق انها لا تستطيع ايصال من تريد الى رئاسة الجمهورية ، وبالتالي فان أداءها السنة يختلف تماما عما كان عليه بين العامين 2014 و2016؟.
بفعل فاعل نزح البلد وملفاته الى مخيمات النازحين السوريين، فتحرك مشبوهون من داخل تلك المخيمات، واستفاق من يسمون اهل السيادة من اللبنانيين على القضية والعبء الملقى على عاتق الدولة اللبنانية، بعد ان كانوا لعقد من الزمن حماة هذا الوجود والمدافعين الشرسين عنه والمستثمرين السياسيين والامنيين بخياراته…
فبعد ان خسروا هذه القضية ، عادت احزاب وشخصيات الى الاستثمار بالملف بشيء من العصبية والعنصرية، وهم يعلمون انهم ورعاتهم الاقليميين والدوليين من عطل عملية عودة النازحين السوريين من لبنان ومنعوا حكوماته المتعاقبة من سلوك الطريق الوحيد لاعادتهم وهو التواصل مع الحكومة السورية…
الا وقد فتحت الطرق العربية الى دمشق، ووضع ملف النازحين على جدول اعمال التسويات العربية، هب هؤلاء مزايدين، بعضهم ربما لتعطيل هذا المسار بفعل الرفض الاميركي لعودتهم دون ثمن سياسي من لبنان وسوريا، وآخرون لشعورهم ان الملف يسلك طريقا جديا خلافا لما كانوا يظنون، فاسرعوا لتسجيل اسمائهم ضمن المحاربين، لكن كعادتهم يخطئون الاداء فتصيبهم النتائج ..
ونتيجة لهذه الفوعة الجديدة اجتمعت الحكومة المنهكة وقررت للمرة الثالثة تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الحكومة السورية، فهل يسلكون هذه المرة الطريق الجدية ويستفيدون من الايجابيات الاقليمية للتخفيف عن البلد اعباء هذه الفاتورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وربما الامنية؟
في امنيات البعض الاستثمار زمن الافلاس السياسي، لكن على ما تبقى من حريصين في هذا البلد، وعلى الوزراء المعنيين العمل السريع لاطفاء فتائل هذا الملف التي بدأ باشعالها المقامرون…
وفيما الملفات الادارية والمالية والتربوية على تخبطها، حافظت الملفات السياسية داخليا على رتابتها، على ان ترتيب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان زيارة الى بيروت في هذا التوقيت شكل خرقا في الجمود، مع التأكيد الايراني الدائم على دعم كل ما هو في مصلحة لبنان واللبنانيين…
اما مصالح الصهاينة ومستقبلهم فتتلاشى في اروقة السياسة والامن والاقتصاد ، وكما في شوارع تل ابيب وصل العراك بين المستوطنين فوق قبور جنودهم القتلى، ما يشير الى عمق الخلاف وصعوبة الحال في هذا الكيا
لبنان لا يحكم من دمشق، ولا يحكم من بيروت ضد دمشق.
معادلة واضحة طرحها العماد ميشال عون عام 1988، وكلفت محاولة إرسائها، حربا دامت سنتين، ونضالا سياسيا وشعبيا استمر خمسة عشر عاما، قبل أن يتحقق الانسحاب السوري من لبنان في مثل هذا اليوم من عام 2005.
أما المرحلة التالية، التي كان من المفترض أن تؤسس لدولة قوية حرة سيدة مستقلة، فحولتها المنظومة الموروثة من زمن الحرب والوصاية، مرحلة تؤسس لانهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق في تاريخ العالم، نعيش تداعياته اليوم، التي لا توفر قطاعا أو إنسانا في لبنان.
وإلى جانب الانهيار الكبير، استبدلت المنظومة الوصاية السورية بوصايات من كل حدب وصوب، وجعلت من الحرية شعارا، ومن السيادة وهما، ومن الاستقلال نكتة يتداولها الناس في مجالسهم، من وحي التدخلات الخارجية الفاقعة في السياسة الداخلية اللبنانية، التي دفعت البعض حد الترحم على عهد الوصاية والاحتلال.
وفضلا عن ذلك، دفعت الحرب السورية، والأخطاء اللبنانية، بمليوني نازح سوري الى الاراضي اللبنانية منذ عام 2011، استفاق كثيرون على خطرهم اليوم، وبدلا من ان ينضموا الى التيار الوطني الحر الذي دعا منذ بدء الأزمة الى عودة آمنة كريمة، وفق القانون اللبناني والمعايير الدولية، راحوا يحرضون بلا أفق، ويستخدمون خطاب الكراهية بلا رادع من أخلاق أو ضمير، وهو ما رد عليه النائب جبران باسيل اليوم بتغريدة جاء فيها: النزوح السوري العشوائي كان مؤامرة واجهناها وحدنا، وإخراجهم بالعنف مؤامرة سنواجهها. وأضاف: نحن مع العودة الآمنة والكريمة وتطبيق القانون الدولي واللبناني بعودة كل نازح غير شرعي ومنع اي توطين… الفرصة الاقليمية سانحة لعودة لائقة، ولن نسمح للمتآمرين والمستفيقين بتضييعها بالتحريض واللاانسانية، ختم باسيل.
فجأة تذكرت السلطة أن هناك قضية في لبنان إسمها قضية النازحين، ولم تكن لتفعل ذلك لو لم تلتقط إشارات عن تحركات ميدانية, قطباها : لبنانيون من جهة، امتعاضا من منافسة السوريين لهم في كل المجالات، ونازحون سوريون من جهة ثانية ردا على ما يرون انهم يتعرضون له.
السلطة وقفت في الوسط، منعت التحركات على الأرض من أي جهة كانت، سحبت صاعق التوتر، لكنها لم تسحب مسبباته. فمقررات الاجتماع الوزاري في السرايا الحكومية ذكر بالمقررات التي سبق ان اتخذت ولم تطبق، ومنها:
– تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الاراضي اللبنانية.
– الطلب من الاجهزة الأمنية التشدد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية.
– تسجيل ولادات السوريين على الاراضي اللبنانية بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون النازحين.
فهذه المقررات ليست جديدة، وكما لم تطبق في السابق، فكيف ستطبق راهنا ومستقبلا؟
وزير الداخلية، من دار الفتوى، كان سقفه أعلى, بحيث أعلن أن “من الواجب احترام القانون اللبناني, وأن يكون السوريون الموجودون في لبنان، خاضعين للدستور اللبناني ومن الواجب تنظيم وجودهم فيه”.
وأضاف: “لن نسمح بالتحريض على الجيش اللبناني وعلى الدولة، وعلى النازح السوري أن يلتزم القانون”.
في مطلق الأحوال، هناك حقيقة لا تخضع للاجتهاد وهي الأرقام, خصوصا إذا لم تكن وجهة نظر.
قبل الدخول في تفاصيل قضية النازحين، نشير إلى أن وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان في بيروت مدة يومين، وسيعقد مؤتمرا صحافيا بعد غد الجمعة، بعد ان يكون قد استكمل لقاءاته بالرئيسين بري وميقاتي ووزير الخارجية.