/ خلود شحادة /
بانتظار الفرج، ترقد الحكومة اليوم دون جلسات، وهي لم تُتم بعد شهرها الرابع من “حمل” مسؤولية ردع الانهيار.
“الثنائي الشيعي” يقاطع الى حين حلّ ملف القاضي طارق البيطار.
رئيس الجمهورية يدعو مجلس الوزراء الى الالتئام.
رئيس الحكومة يحاول تدوير الزوايا مغمض العينين، وهمّه الرئيس الخروج أمام المجتمع الدولي بمبرر “ما خلوني اجتمع” كي لا يُتّهم بالتراخي والعجز في ظل الأزمات التي يمر بها البلد.
حلبة الخطابات بين “أمل” و”التيار”
ارتفع سقف الاشتباك السياسي بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون، مباشرة أو عبر صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
خطاب وخطاب مضاد، وتصريح يقابله تصريح. الخلاف المزمن بين أمل والتيار تجاوز الحدود، ووصل الى سقف وضع فيه باسيل “حزب الله” أمام خيارين: “إما نحن (التيار الوطني).. وإما هم (حركة أمل)”.
ينذر ذلك بأزمة سياسية حادّة بين الحزب والتيار، وهو ما لا يبشر بالخير على الصعيد الحكومي، وربما أبعد من الحكومة؟
لا شك أن خطاب باسيل يحمل في طياته الكثير من البعد الانتخابي، بهدف شد العصب المسيحي، لترميم الواقع الشعبي المتصدّع لباسيل بعد 17 تشرين الأول 2019. كذلك يحاول عون تأمين الدعم لباسيل عبر الإصرار على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، على الرغم من علمه المسبق بأن ميقاتي لن يجرؤ على توجيه الدعوة خشية الصدام مع “الثنائي الشيعي”، وكذلك لمنع تكرار تجربة العام 2006 عندما فقدت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ميثاقيتها بخروج الوزراء الشيعة منها. كما أن عون يعلم أن دعوة ميقاتي لجلسة حكومية لن يتأمّن لها النصاب بسبب غياب وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة وربما المحسوبين على تيار “المستقبل” أيضاً، ما يعني أن الدعوة هي بمثابة هروب الى الأمام.
في المقلب الآخر، خطاب “أمل” لم يتغير منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، مهاجمة العهد ورئيسه وباسيل، وتحميله مسؤولية الانهيار.
خلافات في الدستور وتفسير بنوده بين “أمل” و”التيار” في المجلس النيابي.
هجوم حركة أمل الدائم على العهد، دفع التيار الى تبنّي نظرية المؤامرة، واعتبار اعتكاف الثنائي الشيعي عن حضور الجلسات الحكومية حرباً على “العهد القوي” لإفشاله في سنته الأخيرة، بعد أن شهد لبنان خلاله أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
قد تكون المعارك السياسية التي يخوضها جبران باسيل مع القوى السياسية كافة، لها تبعاتها السلبية على “العهد القوي”، وثمة من يعتقد أن باسيل ينفّذ عملية انتحار سياسي لـ”التيار”. لكن، في المقابل، ثمة من يضعها في سياق مخطط مدروس لمرحلة ما بعد العهد، وتفتح أبواب قصر بعبدا أمام “الصهر” لتحقيق حلم الرئاسة بتسوية جديدة، أو بالحد الأدنى، تضمن له موقعاً متقدماً في التركيبة السياسية مستقبلاً، وكذلك في الشارع المسيحي.
حكومة “تصريف أعمال”!
قد يُتّهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنه غير مدرك لخطورة التعطيل والجمود السياسيَيْن، أو أنه يدرك ذلك تماماً، وهذا ما دفعه الى سياسة النعامة، فدفْنُ الرأس في الرمال تجنّبه تحمّل نتائج وتبعات هذا الملف، وخصوصاً أمام المجتمع الدولي. لذا تنقّل ميقاتي في المواقف من تعطيل الجلسات.
تارة يعمل على اقناع الرئيس نبيه بري بعقد “جلسة حكومية استثنائية”، لتسجيل “شيك” الحلحلة في حسابه، لصرفه خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وهو ما يتناغم مع موقف عون، بغض النظر عن الهدف.
وطوراً برفضه دعوة الحكومة للانعقاد بسبب “الظروف الحالية المتشنّجة وغياب الحدّ الأدنى من التفاهم”، وهذا ما يتقاطع مع موقف “الثنائي الشيعي”.
وأخيراً جلوسه على كرسي الانتظار الى حين فض الخلاف بين “الأطراف المتنازعة”.
لكن الدور الذي يلعبه ميقاتي لن يصمد طويلاً، فبعد سخونة الاشتباك بين بري وعون، عبر باسيل، لم يعد بإمكانه القفز فوق الاشتباك، او اعتبار نفسه غير معني مباشرة.
كما ان محاولة “تصريف الأعمال” التي تقوم بها الحكومة عبر إصدار المراسيم الاستثنائية التي لا يبدو أن بعبدا ستواصل اعتمادها، وهي أساساً موضع جدل بشأن دستوريتها، يجعل مجلس الوزراء مفتوحاً على مصراعيه لكل الاحتمالات التي سيكون وقعها صعباً على كاهل الواقع اللبناني المنهك أصلاً.
لا رابح ولا خاسر بين طرفي لعبة شد الحبال تلك، أقله حتى اليوم، لكن ضحاياها كثر، أولهم الشعب الذي يرزح تحت وطأة ارتفاع الدولار، وليس آخرهم الحكومة العالقة في فوهّة الخلافات، والتي يبدو أنها تفكّكت باكراً، لكنها مستمرة بحكم غياب البديل.
في المحصلة، حكومة “معاً الإنقاذ” دخلت غرفة العناية، ولا يبدو أنها ستخرج منها في وقت قريب!