كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”: على مدى 14 عاماً تقريباً شغل اللواء عباس إبراهيم منصب المدير العام للأمن العام. مسيرة حافلة بالأدوار والمهمات الصعبة والشاقة. الرسول، وصلة الوصل لمدير عام زادت مهامه عن حدود صلاحياته، وفاضت. أينما تعثّرت، كان اللواء إبراهيم الملاذ والمخلص. اليوم يبلغ إبراهيم السن القانونية للتقاعد فيخرج من نطاق الإدارة العامة لينطلق في الفضاء السياسي الواسع.
ليس طبيعياً أن يرافق التمديد له كل تلك الضجة، وأن تكون النتيجة التمديد للعميد إلياس البيسري لمدة ستة أشهر لتسيير أعماله بالوكالة. ما يثبت أنّ الموضوع لا يتوقف على معارضة مبدأ التمديد والذي تذرع به المعارضون بل إن حقيقة الأمر تتصل بتصفية حسابات سياسية دفع اللواء إبراهيم ثمنها.
يقع في أساس الموضوع أنّ التمديد كمبدأ يجب ألا يكون سارياً في المؤسسات، ولا يتم اللجوء إليه بالمطلق ولو في حالات الضرورة. ليس في الدولة من لا يمكن استبداله، وعدم التمديد لمهامه في منصبه ليس إنتقاصاً من شأنه ومن نجاحه في أداء مهامه. لكن القضية تختلف مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. لوقت طويل مضى وعلى امتداد عهد الرئيس ميشال عون وفي ظل الحكومات المتعاقبة لم يكن يرتبط اسمه بمركزه في المديرية العامة للأمن العام فحسب. كانت المهام الموكلة إليه تخرج عن نطاق منصبه وتزيد. كان المستشار الرئاسي، والوسيط لإطلاق مخطوفي أعزاز، وبطل المفاوضات لإطلاق راهبات معلولا، والوسيط النزيه في قضية إطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي كان موقوفاً في السجون السورية.
ظهر كحاجة وطنية ولعب أدواراً محورية محلية وإقليمية ودولية. هو الذي خرق انقطاع العلاقة في عز الأزمة السورية وأول من خاض مفاوضات من أجل إطلاق العسكريين في عرسال وهو ذاته الذي قصد العراق للتفاوض في شأن تأمين الكهرباء. لعب دور الرسول المفاوض متى تعقّد تشكيل الحكومات، من حكومات سعد الحريري إلى تمام سلام وصولاً للرئيس الحالي نجيب ميقاتي. كان أقرب إلى مستشار رئاسي، ووسيط، وعنه يمكن الحديث أنه رجل المهمات الصعبة وصولاً إلى دوره في المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين حيث مثل بحضوره «حزب الله».
تطول لائحة المهام التي أوكلت اليه وأدّاها على أكمل وجه حتى صار دوره مثار استفزاز للبعض، على أنّ كل ما تقدم في كفة والمفاوضات التي رافقت مساعي التمديد لمهامه في كفة ثانية.
في بلد كلبنان يغدو الوضع طبيعياً أن تتعدد الأدوار التي تؤديها شخصية واحدة لأنّ هذا البلد لم يعتد على التغيير، وأي تغيير سيستتبع حكماً بأزمة سياسية حادة. بدأت قصة عباس إبراهيم باستقالته من السلك العسكري ليصبح مديراً عاماً مدنياً. ومع اقتراب انتهاء ولايته كمدير عام للأمن العام بدأ الحديث عن مستقبله السياسي. كان أقرب إلى الإستقالة والترشح إلى النيابة لولا أنّ «حزب الله» فرمل الإندفاعة، وجاء من أسدى له النصيحة «لا نزال نحتاجك حيث أنت» ليفهم في حينه أنّ ترشيحه النيابي لم ينضج بعد. ومع نضوح المساعي لتطعيم حكومة نجيب ميقاتي طرح اسمه كوزير دولة للأمن القومي.
بلغ إبراهيم 64 عاماً وهي السن القانونية للتقاعد في لبنان، لم يمدد له، كثيرون تدخلوا، أصدقاء ومقربون، الجميع وعد بالموافقة على التمديد وتراجع عن وعده، المعارضة لم تكن على شخص اللواء بل لأنّ أي جهة لم تملك شجاعة تحمّل تبعات الموضوع خشية المزايدات السياسية. الكل يريده في منصبه ولا أحد يريد أن يظهر صاحب المبادرة في ذلك بمن فيهم الثنائي الشيعي. يمكن تسجيل التقصير الفاضح لهم ليس لأنه واجب بل لظهورهم على خلاف ما وعدوا به ورددوا في مجالسهم الخاصة حتى تعاطوا وكأن التمديد واقع لا محالة.
على امتداد سنوات خدمته شكّل عباس إبراهيم حاجة، وجوده ودوره كانا بمثابة فك اشتباك في مفاصل كثيرة، ليتحول التمديد له في منصبه إلى مشكلة ويلجأ الجميع إلى القانون ذاته الذي يتم القفز فوقه متى ارتأوا ذلك. وقع التمديد للواء إبراهيم ضحية الحسابات السياسية المعقدة والكيديات الطائفية والمزايدات. في آخر كلمة ألقاها وهو في منصبه استعان اللواء إبراهيم بقول الامام علي عليه السلام: «تصفية العمل أشد من العمل». وما لم يقله أنّ الأشد من الإثنين هو التعاطي السياسي مع قضيته بما أساء لمسيرته ولم ينصفه.
شغل إبراهيم منصب الحارس الشخصي لمبعوث جامعة الدول العربية إلى لبنان الأخضر الإبراهيمي، ثم الحارس الشخصي للرئيس الياس الهراوي حتى العام 1992 حيث كُلف بحماية رئيس الوزراء المعين حديثاً رفيق الحريري. في العام 1994، تم تعيينه رئيساً لقسم مكافحة الإرهاب والتجسس في مديرية المخابرات. منصب بأدوار متشعبة. من يعرف اللواء عن قرب يجزم: هذه ليست نهاية الرجل بل بداية لمرحلة مفتوحة على آفاق متعددة.