لماذا تقلق بكركي على المناصب المسيحية في الدولة؟

/ مرسال الترس /

كان لافتاً في الفترة الأخيرة تركيز البطريرك الماروني بشارة الراعي، على تخوفه من تراجع المناصب المسيحية، وتحديداً المارونية، في الدولة وتحذيره “من مخطط قيد التحضير لخلق فراغ في المناصب المارونية والمسيحية” على حد تعبيره.

هذه الهواجس تعيد الى الأذهان الصورة التي نتجت عن إقرار اتفاق الطائف، واعتكاف المسيحيين عن المشاركة في الانتخابات النيابية مطلع التسعينات، احتجاجاً على “سلخ” صلاحيات من رئاسة الجمهورية وتحويلها إلى مجلس الوزراء الذي يرأسه سني.

فما هي المعطيات الجديدة التي تكونت لدى سيد بكركي ودفعته الى هذه الصرخة؟

ـ تكّونت شبه قناعة لدى بكركي، بأن الفراغ في رئاسة الجمهورية، الموقع الماروني الأول في الدولة، والذي يتكرّر للمرة الثالثة ويمتد لسنوات وليس أشهراً أو أسابيع، بات من المسلمات في تركيبة النظام اللبناني، وسيؤدي إلى خسارة المسيحيين والموارنة تحديداً الموقع الأول في الدولة اللبنانية. وما قاله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في آخر إطلالة متلفزة له يعزز هذه المقولة. فهو نفى أي تفكير بهذه المسألة. ومع أن معظم الأوساط تستند الى مصداقيته في ما يقول، ولكن من الذي يضمن أن آخرين يمكن أن يذهبوا في هذا الاتجاه؟ وأن من عمل على حياكة اتفاق الطائف وما آل اليه تكونت لديه البذرة التي قد تنبت يوماً لتصبح حقيقة، استناداً الى الجغرافيا والديموغرافيا!

ـ ارتفاع وتيرة الهجرة لدى المسيحيين، ليس كشباب فقط وإنما كعائلات أيضاً، دفعت بكركي والمواقع المسيحية الموازية والفاتيكان أيضاً إلى رسم العديد من علامات الاستفهام. وبات السؤال المطروح هو: إذا كانت نسبة الوجود المسيحي في لبنان قد تقلّصت إلى ما دون الثلث عندما أجرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري إحصاءاته الشهيرة على هامش الطائف وخلص بعدها الى المقولة المعروفة “سنوقف العدّ”. فمن هي الجهة التي ستضمن توقف العدّ في العقود القليلة المقبلة، وبخاصة إذا ما طالت فترة الأزمات المالية والحياتية الخانقة التي انطلقت منذ ثلاث سنوات والتي أسفرت عن موجة من الهجرة ذكّرت بما حصل إبان الحرب العالمية الأولى.

ـ الخلافات القائمة بين مختلف القيادات المسيحية الفاعلة، والتي تكاد لا تلتقي على رأي موحد في أية قضية هامشية، وليست جوهرية، لا تساعد مطلقاً على مواجهة أي خطوة جدية في هذا المجال، وبات واضحاً أنها مهتمة بمصالحها ومصالح أحزابها وتياراتها، وغير مؤهلة بالتالي لمواجهة هذه القضية المحورية. ولعل ما تم تسجيله في إحدى المواقع الوظيفية من الدرجة الثالثة مؤخراً لا يبشر بالخير مطلقاً، حيث بلغ أحد الموظفين المسيحيين الذي ينتمي إلى “التيار الوطني الحر” السن القانونية فضغطت قيادة “التيار” من أجل عدم تعيين من يليه في الرتبة مكانه وهي سيدة مسيحية ولكنها تنتمي الى حزب القوات اللبنانية، الأمر الذي فتح الطريق أمام موظفة من الطائفة الشيعية لتولي المنصب.

فاذا كان هذا الأمر قد حصل على الدرجة الثالثة. فماذا سيحصل إذا استمر الفراغ في قصر بعبدا، ومع عدم القدرة دستورياً لدى حكومة تصريف الأعمال على إجراء تعيينات جديدة، أن يحصل مثلاً في المواقع الأولى في الدولة التي يتولاها مسيحيون، أو موارنة تحديداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر في قيادة الجيش أو حاكمية مصرف لبنان أو رئيس مجلس القضاء الأعلى… وغيرها وما دونها من مراكز؟

والأمر لم يقتصر على شخص البطريرك فقط، فمجلس المطارنة أطلق التحذير نفسه من إفراغ المناصب سبيلاً إلى تغيير هوية لبنان!

البعض طالب البطريرك الراعي بجمع القيادات المسيحية، والمارونية تحديداً، لحلّ أزمة الفراغ في المناصب المسيحية.  فهل في حساباتهم أن يلبوا النداء؟