سليمان فرنجيّة.. الشوط الأخير!

/ جورج علم /

بدأ سليمان فرنجيّة الشوط الأخير. لم يعد مقنعاً القول “لست مرشحا”، أو “أنا مرشح توافقي”. أصبح الخروج من الإلتباس ضرورة. الإنطباع السائد عند شريحة واسعة من الرأي العام، بأنه “مرشّح حزب الله، والثنائي الشيعي”. عليه أن يجمّل هذا الإنطباع بإطلاقه مبادرة توافقيّة. كلامه في الصرح البطريركي يفترض أن يستكمل بحراك مدروس، وخطوات عملانيّة، حتى لا يُقال بأنه قد خطّ سطراً في الهوى ومحا.

رمى النائب علي حسن خليل، حجراً في البركة الراكدة، قال: “نسير بفرنجية في الدورة الثانيّة، إذا تأمن الـ65 صوتاً”، ما كان ليقول لو لم تكن هناك إشارة مباشرة من الرئيس نبيه برّي، لأنه ساعده الأيمن، وكاتم أسراره، ولأنه كذلك أحدثت رميته تموجّات لا تزال تتفاعل لغاية الآن. إغتنم فرنجيّة المناسبة، بادر من بكركي تحديداً إلى إطلاق عناوين هي مثار جدل بين اللبنانييّن، “أنا القادر أن أحصل من حزب الله، وسوريا، وغيرهما، ما لا يستطيعه أي مرشح آخر”. يشكّل هذا طرحاً متقدماً جدّاً، لكنه بحاجة إلى ضمانات، وهذه تتعدّى مصداقيّته، وفروسيّة البيت السياسي الذي إليه ينتسب، إلى ورقة خطيّة مؤهّلة من حيث بنودها، ومضامينها، أن تشكّل قاعدة صلبة للتوافق، ومحطة انطلاق جديّة الى قصر بعبدا.

هو يعرف جيداً أن غالبيّة المكونات تريد استراتيجيّة وطنيّة دفاعيّة، يتحوّل “حزب الله” بموجبها إلى حزب سياسي كغيره من الأحزاب اللبنانية، سقفه الدولة، والدستور، والمؤسسات، والانتظام العام، وسلاحه في عهدة المؤسسات الرسميّة المعنيّة. ولأنه يعرف، عليه أن يبادر، والمبادرة يجب أن يتولاّها الحزب تحديداً، إذا كان يريد سليمان فرنجيّة فعلاً رئيساً للجمهوريّة، وليس “بروفا ثانية” في بعبدا!

عليه أن يبادر، ويعطي، لكي يصار إلى إنتخاب الرئيس الذي يريد، لكن الكلام الذي قاله فرنجية من بكركي لم ينزل برداً وسلاماً على بيئة الحزب، هناك رفض، وانتقاد، وامتعاض غُلّف بالصمت حتى لا يُكسر الفخار قبل أوانه، خصوصاً وأن الحزب لا يزال يعوّل كثيراً على مبادرة علي حسن خليل “فرنجيّة، بأكثريّة 65″، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات، لكن المبادرة الخليليّة تحتاج إلى رافعتين:

  • أن تؤمن “القوات اللبنانيّة” النصاب لجلسات الانتخاب.
  • أن يُصار إلى إختراق “التيار الوطني الحر” بإقناع ما بين 6 إلى 8 نواب بانتخاب فرنجيّة نزولاً عند رغبة الحزب، واستطراداً الثنائي الشيعي.

في الحالة الأولى. على “القوات” أن تقول كلمتها، وتحسم، والكرة في ملعبها. في  الثانية. ردّ باسيل الكرّة من ملعبه صاعقة، قال لا، وبسقف سياسي عالي النبرة، وهددّ بالترشح شخصيّاً ليمنع أي تسلل نيابي من كتلته لمصلحة فرنجيّة.

ولا يشكّل الرد الباسيلي “الفيتو” الأول على المبادرة، بل سبقه “الفيتو” الذي أعلن عنه زعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، عندما استدعى وفداً من “حزب الله”، وطرح أمامه أسماء ثلاثة، قائد الجيش جوزاف عون، وصلاح حنين، وجهاد أزعور. واستند جنبلاط في طرحه الى التوافق، وكأنه يريد أن يمررّ رسالة إلى صديقه الرئيس بري مفادها أن مبادرة “نسير بفرنجيّة بأكثريّة 65 صوتا” لا يمكن أن تمر، وإن كتب لها النجاح قد تحدث انقساماً خطيراً، وربما مضاعفات أمنيّة، وسياسيّة تفتيتيّة.

يعول جنبلاط على ما تردد أخيراً بأن “الحزب” يريد التوافق على إسم رئيس، لكن المشكلة عنده، وليست عند جنبلاط، أو أي من الأطراف الأخرى. التوافق حول الرئيس قاعدته التوافق على معضلتين بارزتين:

  • هل يقتنع الحزب بإستراتيجيّة وطنيّة دفاعيّة يكون سلاحه في عهدة الدولة، والمؤسسات الرسميّة المختصة؟
  • هل يقبل الحزب بمعادلة: “جيش وشعب ودولة، مقابل جيش وشعب ومقاومة”؟

حتى الآن، يكتفي بالقول بأن حدود التوافق عنده ينطلق من “انتخاب رئيس لا يطعن المقاومة في الظهر”، لكن المستجدات الأمنية الخطيرة في فلسطين، وإيران، والمفتوحة على غاربها، تدعوه نحو التشدد، وهناك من يراهن على قلب الطاولة، وإعادة خلط الأوراق. لكن خلط الأوراق لن يأتي بفرنجيّة رئيساً، وذلك لسبب واضح، وهو أن زعيم “المردّة” يقبل بأن يرشحه الحزب، ولكنه يرفض أن يكون رئيساً ينفّذ أجندة الحزب.

إنه الشوط الأخير، وإذا كان الحزب يريد فرنجيّة فعلاً، عليه أن يرسمله، ويعطي لكلامه في الصرح البطريركي ضمانات عمليّة أبعد من “حبر على ورق”.