/محمد حمية/
تمضي الحكومة الحالية بسياسة “دولرة” الاقتصاد” والخدمات ومعظم السلع الاستهلاكية، موزعة على السوق السوداء كالمحروقات ومنها الآخر على منصة صيرفة، كالاتصالات، وأخرى على الدولار الرسمي 15 ألف ليرة لأغلب رسوم الدولة والرسوم الجمركية، في اطار قانون الموازنة العام 2022 الذي أقر الشهر الماضي، بعدما كان السعر الرسمي 1500 ليرة لعقود مضت.
والسعر الرسمي للموازنة هو 15 ألف ليرة بموازاة رفع الدولار الجمركي الى هذا الرقم، وبطبيعة الحال أُخضِعت ضريبة الدخل على رواتب وأجور الموظفين لهذا السعر وفق نظام الشطور تصل نسبته الى 25 في المئة.
مصادر نيابية أوضحت لموقع “الجريدة” أن “التعديلات الضريبية موجودة في الموازنة لكن وزارة المال وفق صلاحياتها تنفذ المواد والبنود الواردة في الموازنة عبر قرارات تطبيقية لها، وهذا ما حصل وفق القرارين 686 و687 ذات الصلة بالبنود الضريبية في الموازنة”.
لكن ما هي خفايا القرارين وانعكاسهما على راتب ومعيشة الموظف؟
مصادر “الجريدة” تؤكد بأن “صيغة وزير المال المطروحة تلحظ احتساب ضريبة الدخل وفق الأمور التالية:
* وفق منصة صيرفة للرواتب بالدولار.
* وفق الزيادة الأخيرة على رواتب القطاع العام بالليرة وليس على أساس الراتب.
* مفعول رجعي عن العام الحالي.
وهذا يشكل “ضربة ثلاثية” للموظفين، لا سيما ذوي المداخيل المتدنية والمتوسطة، حيث ستقضي على ما تبقى من قدرة شرائية للمداخيل، وتقضم قيمة الزيادة الأخيرة للموظفين، “منشلّحن بإيد يلي اعطيناهم اياه بإيد” وفق ما عبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في كلامه بعد الجلسة أمس.
القراران ينصّان على اقتطاع رواتب القطاع العام الأساسية والإضافية للضريبة، أي الضريبة لا تفرض وفق أساس الراتب، بل على قيمة الراتب النهائي، أي الأساسي زائد الزيادة. هذا بالنسبة للقطاع العام. أما القطاع الخاص الذي يتقاضى رواتبه بالدولار، فالخطير في الأمر أنها ستحتسب على سعر صيرفة وليس 15 ألف ليرة، السعر الرسمي المحدد في الموازنة، علماً أن الموازنة لا تلحظ سعر صيرفة، فمن أي جاء وزير المال بهذا السعر؟!
والأخطر في القرارين هو المفعول الرجعي لهذه الضريبة، ما سيفرض على الموظفين في القطاعين العام والخاص دفعها عن 12 شهراً، أي منذ كانون الثاني العام 2022، علماً أن الموازنة أقرت في الشهر ما قبل الأخير من السنة الحالية!
النواب استدعوا وزير المال إلى جلسة لجنة المال والموازنة النيابية، لمناقشته بالقرارين اللذين يستهدفان معيشة المواطنين بالصميم، في ظل الظروف المأساوية التي يمر بها لبنان.
ووفق معلومات موقع “الجريدة”، فقد أجمع النواب على الطلب من وزير المال يوسف خليل إعادة درس القرارين لناحية الشطور وسعر الصرف والمفعول الرجعي، لا سيما وأن الموازنة أقرت في شهر 11 من هذا العام، فضلاً عن ضرورة إعادة النظر باحتساب الضريبة على رواتب الدولار على صيرفة، الأمر الذي يربط نسبة الضريبة بسعر صيرفة!
الخلاصة التي خرج بها الاجتماع بأن وزير المال خضع لدعوات النواب وتعهد بإعادة درس القرارات، وبالتالي تجميد العمل بالقرارين ريثما يتم إعادة النظر بهما خلال أيام، وفق ما أكدت مصادر موقع “الجريدة”.
لكن هل سيلتزم وزير المال بإجراء التعديلات العادلة؟
أوساط متابعة للملف تشير إلى أنه مع التأييد لتطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل، لأهداف اقتصادية ومالية واجتماعية ووطنية، كما هو معمول به في معظم دول العالم، لكن يجب وضع ضوابط لقيمة الضريبة، ومَن تستهدف، وأن تحقق أهدافها، وأهمها العدالة، وأن تترافق مع تشديد الرقابة على الشركات والأفراد فيها لمعرفة حجم مداخيلهم، في ظل وجود الكثير من الشركات غير المسجلة في الوزارات المعنية، أو تلك التي لا تصرح عن موظفيها في الدوائر المختصة.
كما يجب أن تقابل هذه الضريبة برفع نسبة الخدمات الاجتماعية والطبية وغيرها، كما في سائر دول العالم. لكن الواقع في لبنان لا يسمح بتطبيق هذه الضريبة وفق القواعد التي تفرضها وزارة المال في ظل ظروف الانهيار المالي والنقدي والاجتماعي والاقتصادي التي تواجه اللبنانيين، لأنها ستزيد الأعباء على المواطنين الذين يواجهون “دولرة” شبه شاملة، من فواتير كهرباء ومولد خاص ومياه وبنزين ومازوت وغاز واتصالات وفواتير رسمية في الإدارات… وصولاً الى رسوم كتاب العدل!
فهل ستفرغ ضريبة الدخل ما تبقى من جيوب المواطنين، بعدما التهمتها موجة الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار الصرف الرسمية والسوداء؟!