المرتضى: المطلوب عودة الإستحقاق الرئاسي إلى لبنان

لفت وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى الى ان “كل استقلال يوهب إلينا من الخارج هو قنبلة معدة لأن تنفجر فينا وكل سيادة تفرض علينا من عدو هي خيانة للسيادة وكل كرامة نبيع أنفسنا بالمال حتى ننالها هي تاج مزيف يسقط عند أول استحقاق.”

وقال: “ثقافتنا أن نعود إلى لبنان وأن نؤمن أننا من لبنان وإلى لبنان نعود وأن ننشر ثقافة الحوار والتسوية كسبيل وحيد لحل قضايانا الوطنية فهل من يلاقينا؟”معتبرا ان “مسألة انتخاب رئيس الجمهورية تمثل تحديا ثقافيا بالدرجة الأولى. انها امتحان أخلاقي وسياسي في آن معا، المطلوب عودة الإستحقاق إلى لبنان لا هجرته إلى الخارج”.

كلام الوزير المرتضى جاء خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر السنوي الخامس لشبكة ZNN الاخبارية: “الاعلام وثقافة صناعة الأمل” في مغدوشة وبحضور النائبين علي عسيران وميشال موسى وحشد من الفاعليات السياسية والإعلامية والثقافية في مدينة صيدا والجوار .

وقال الوزير المرتضى: ”نجتمع في حضرة مريم رمز القداسة والطهر وسيدة نساء العالمين، لنعلن عن تمسكنا بوحدتنا كلبنانيين، نجتمع في هذه البلدة المباركة، فيتلاشى المجد الزائل، ويزول الكبر، وتنطفىء الأنانيات، وتنحني الأعناق، وتخشع القلوب، لتسمو بعد ذلك النفس التواقة، لأن يحل فيها شيئا من عبق تلك الروح، التي بشرت مريم بأنها سوف تحمل في أحشائها المباركة سيدنا عيسى المسيح وتأتي به الى هذه الدنيا ليكون للناس، كل الناس، معجزة رحمة وحنو إلهي وبوابة أمل ونجاة وخلاص.”

وقال: “يجمعنا عنوان صناعة الأمل وهل يصنع الأمل في غير مصانع الإعلام والثقافة؟ لا تنمو ثقافة الأمل إلا في مداد محبرة الكتاب فهي التي تحبط وتغبط، تدمر وتعمر وهي من دون مبالغة حبل النجاة أو حبل المشنقة! والثقافة ليست هواية نمارسها حينا ثم نهملها، إنها مسكونة بالمواقف وتزهر كما زهر مغدوشة عندما تقترن الأقوال بالأفعال، إنها سلاح الفكر في مواجهة الهزائم، الفكر الذي يبدد القلق ويزيل الخوف ويستبدل كل هذا السقوط إلى أسفل بالصعود إلى الأعلى من جديد”، مضيفا “هنا يبرز دور الثقافة والاعلام الواعي المسؤول في تفجير القلق الوجودي وتشييد الرجاء الوطني على ركامه”.

وتابع: “سقى الله أيام كان الشاعر العربي وزارة إعلام كاملة التجهيزات، تبث قصائده الأخبار صحيحها والمختلق، وتروي أبياته المحامد وتعد النقائص، وتفعل في الرأي العام فعلا سحريا فتقلبه إلى هنا أو هناك في ختمة كل قافية، تاركة أبلغ البصمات على واحد من أهم الصراعات الإنسانية على الإطلاق، أعني به الصراع على السلطة.”

وأردف: “وإلى اليوم، لم تختلف الطريق وإن اختلفت الطريقة. فلقد صرنا، مثلما كنا، في عالم يحكمه الإعلام حكما كاملا، يسيطر من خلاله على صناعة الأمل والألم على السواء. وإذا كانت الوسائل والتقنيات قد تطورت في العصر الحديث تطورا مذهلا وباتت أكثر انتشارا، وأقدر على الأداء، وأسرع في إيصال المعلومة إلى كل زاوية من زوايا المعمورة، فإن وظيفة الإعلام الأساسية لم تتغير، وبخاصة في المقاربات السياسية، وما زال الهدف من العمل الإعلامي السعي إلى التأثير في الرأي العام، وحشده ميمنة أو ميسرة”، مستطردا “لكن شيئا آخر تغير وتطور هو منظومة الأخلاقيات المناقبية التي ينبغي لرسالة الإعلام أن تتحلى بها. فبعدما كان الشاعر العربي يتستر خلف مقولة “أعذب الشعر أكذبه” أصبحت المناقب الإعلامية تدعو إلى الصدق والشفافية في تحري الأخبار ونقلها، وإلى الابتعاد عن القدح والذم والتشويه والاختلاق، وعن كل ما قد يسيء في المحصلة إلى الحقيقة التي يفترض أن يكون الإعلام ناطقا بها.”

وقال المرتضى:”كان لا بد لي من هذه المقدمة، ولو طويلة نسبيا، لألج إلى موضوع لقائنا اليوم؛ ولي فيه كلمات قلائل. أولاها أن الحرية الإعلامية عندي، كقاض صرف زمانا من العمر خلف الأقواس، تعني في وجهها الإيجابي فتح الأبواب كلها أمام الإعلاميين للوصول إلى المعلومة الحقيقية ونقلها إلى الجمهور. أما في وجهها السلبي فتعني الامتناع عن تشويه المعلومة قصدا وتفسيرها على غير مغزاها بشكل إرادي، خدمة لاتجاه ما؛ وهذا ما درجوا على تسميته بالرقابة الذاتية المؤيدة بأحكام القانون والنظام العام. وبين هذين الحدين يستقيم حتما مسير السلطة الرابعة، وتصير بحق جزءا من الحكم الرشيد، وثاني كلماتي أن دور الإعلام يتعدى شأنه اليومي مع الرأي العام ليأخذ قسطا وافرا من حماية الوطن والمجتمع. ذلك يكون له بمقدار ما يحافظ على عشرة القيم الوطنية ومبادئ الوئام الاجتماعي. أما حين يصير منبرا للحناجر المدوية والقبضات الملعلعة، فعلى شاشاته السلام.”

وأضاف: “يعود بي الحديث في السلام إلى موضوعة الأمل لأسأل: الأمل بماذا؟ فإن آمالا كثيرة تراود الناس، لكنني أرى أن المقصود ههنا هو ذاك المتعلق بالوطن والمستقبل. نعم، يجب أن تكون آمالنا بوطننا كبيرة ورجاؤنا بغدنا ثابتا، ولكن هذا يستلزم أولا الحفاظ على المصداقية المناقبية الإعلامية، في عملها على بث هذا الأمل، وإلا تحول سرابا. وأنا لا أفهم الإعلام إلا محتشما بالإلتزام . إلا عنيدا بالحق وإلا مثابرا في خدمة المصلحة العامة، وخارج هذه المسلمات يتحول الى آلة هدم وتخريب وإلى سلعة تباع وتشترى وما أكثر الباعة هذه الأيام. باعة كرامة وباعة سيادة وباعة استقلال”.

واعتبر ان “المصداقية التي لا تنضح إلا بالصدق والالتزام ، تفرض كذلك على الإعلام أن يتحرى عن الخطاب الجامع النابذ للفرقة والانقسامات. فبدلا من صرف الجهود والأموال لشيطنة بعض وتهشيم آخر، تتسع الأبجدية الوطنية لمفردات اللقاء والتعاون والتواد والتراحم وكل ما سواها من الفضائل التي أرساها في نفوسنا إيماننا وتراثنا العريق”.

ورأى المرتضى ان “كل استقلال يوهب إلينا من الخارج هو قنبلة معدة لأن تنفجر فينا وكل سيادة تفرض علينا من عدو هي خيانة للسيادة وكل كرامة نبيع أنفسنا بالمال حتى ننالها هي تاج مزيف يسقط عند أول استحقاق. ثقافتنا أن نعود إلى لبنان وأن نؤمن أننا من لبنان وإلى لبنان نعود وأن ننشر ثقافة الحوار والتسوية كسبيل وحيد لحل قضايانا الوطنية فهل من يلاقينا؟”، متطرقا إلى مسألة انتخاب رئيس الجمهورية “تمثل تحديا ثقافيا بالدرجة الأولى. انها امتحان أخلاقي وسياسي في آن معا. المطلوب عودة الإستحقاق إلى لبنان لا هجرته إلى الخارج. الثقافة الوطنية تقتضي ألا نسمح بالفرض ولا قيمة لشعب إلا إذا رفض الفرض. المطلوب اليوم مواكبة كل حراك داخلي هادف إلى ملء الشغور الرئاسي والإبتعاد عن السطحي والإهتمام بالجوهر ونقولها بوضوح: لا طائل من إثارة اجتهادات دستورية حول النصاب القانوني في جلسات انتخاب الرئيس ولا حول مادة من هنا ومادة هناك، ومن يثير قضايا جانبية يسبب مزيدا من الفراغ ويتلهى بالقشور”.

وأكد ان “الأمل قدرنا ولن نتوقف يوما عن صناعة الأمل فهذه الصناعة اختصاصنا نحن اللبنانيين فما من شعب عانى مثلنا وما من شعب هزم معاناته مثل الشعب اللبناني. نحن محترفو رجاء واختصاصيو أمل ومبدعو صمود ومستقبل. كل ما علينا فعله هو عدم تلويث أفكارنا بمن يحاولون إحباطنا وتبشيرنا بالفوضى. الفوضى الخلاقة ذهبت إلى غير رجعة. الراجعون الوحيدون وسط هذا النفق الوطني الذي لا بد أن تلوح نوافذ النور منه، الراجعون الوحيدون هو نحن وإياكم. راجعون من ذاتنا المحبطة إلى ذاتنا المتوثبة وحينها سنستعيد لبنان الذي لطالما أدهش العالم وعلمه أبجدية الصمود وكلمة الحرية”.

وختم وزير الثقافة كلامه: “نبتهل لكي تشمل مريم هذه الفعالية ببركتها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.