| زينة أرزوني |
من يظنّ أن الحرب تُخاض فقط بالصواريخ، لم يفهم يوماً ماذا تعني “المقاومة”. ومن لا يعرف مغزى “إنّا على العهد”، فليس غريباً أن ينهار أمام “ليزر” أضاء صخرة.. في الروشة.
في لحظة، تحوّلت بيروت إلى شاشة عرض للموقف. ضوء شكّل إعلاناً سياسياً مدوياً: “حزب الله” لم يخرج من الحرب مهزوماً، بل دخل مرحلة ترميم الردع، وما كانت إضاءة صورة أمين عام “حزب الله” الشهيد السيد حسن نصرالله والشهيد السيد هاشم صفي الدين على صخرة الروشة سوى “صفعة” رمزية بكل المقاييس: سياسية، ميدانية، نفسية، وأيضاً وجدانية.
لنفترض جدلاً أن رئيس الحكومة نواف سلام، الآتي من صالونات الوصاية الأميركية، قد صدّق فعلاً أن بإمكانه ضبط إيقاع المقاومة بـقرار بلدي. منع إضاءة؟ تقنين عدد الحضور؟ إعادة بيروت إلى “أهلها”؟ وكأننا في برنامج عقارات لا في بلد يخوض معركة وجود ضد الاحتلال.
كان يفترض بسلام أن يدرك جيداً أنّ بيروت ليست ملكاً لأحد، لا لطائفة ولا لعقار. بيروت هي حكاية وطن دافع عنه المقاومون في الحمراء والصنائع وخلدة والضاحية وعيترون وبنت جبيل، وارتقى فيه الشهداء من أجل أن لا يُرفع العلم الإسرائيلي على السرايا الحكومية. إذا كان الرجل يعتقد أن بإمكانه سحب سلاح المقاومة كما حاول سحب الضوء من الصخرة، فليقف قليلاً أمام الشوارع التي ازدحمت بالمقاومين، وليرى كم من يدٍ رُفعت لتقول “لبيك يا نصرالله”، و”إنا على العهد”.
بدل أن يقلق من الليزر على الصخرة، عليه أن يبدأ بالقلَقْ من الليزر حين يخرج من رأس صاروخ يتجه نحو كريات شمونة أو ما بعدها.
ومن على صخرة الروشة، وبالصورة التي ظهرت بعد صورة الشهيدين، وظهور صورة السيد حسن والشهيد رفيق الحريري ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أهل بيروت يقولون لمن حاول منع الصورة: “بلّط البحر”، أما صخرة الروشة فقد أصبحت حجر زاوية في معادلة الردع.
الحزب.. يُرمّم ردعه بهدوء وصخب
الصورة كانت صادمة للبعض: “حزب الله” لم ينتهِ. بل الحزب، بعد حرب الأشهر الطويلة، يُعيد ترتيب أوراقه، يُعيد تموضعه، يُعيد تأكيد معادلاته، وأول الغيث صورة على صخرة.
اما استعادة الردع فتتم على عدّة جبهات عدة:
– سياسياً: خطاب الحزب لا يزال يعتمد لغة رفض الوصاية والتدخل، بصوت الشيخ نعيم قاسم، ولكن بنبرة السيد نصر الله.
– ميدانياً: لا انسحاب، لا تفكك، لا انهيار. التموضع الجديد أكثر مرونة، أكثر استعداداً لأي حرب ستفرض.
– وجدانياً: الجمهور المقاوم لم يُهزم، بل زادت قبضاته صلابة. “إنا على العهد” ليست شعاراً، بل وعداً مع الدم.
“إسرائيل”… ها نحن نعود من جديد
الرسالة لـ”إسرائيل” واضحة كأشعة الليزر: من صخرة إلى صاروخ، المدى ليس طويلاً. تل أبيب تعرف جيدًا أن الليزر الذي نَحَتَ صور الشهداء على الروشة، قادر أن يُوجّه رأس صاروخ ذكي نحو مقرّات الاستخبارات أو منشآت الغاز.
فإذا كانت “إسرائيل” تتوهّم أن اغتيالاتها في الجنوب قادرة على شلّ بنية الحزب، فعليها مراجعة أرشيفها، من مجدل سلم إلى حرب تموز. السيد قالها سابقاً: إذا قُدّر لبيوت مجدل سلم أن تُدمر، فلتُدمّر كل بيوت الشمال.
من ظنّ أن الحزب استُنزف، عليه أن يتابع الإعلام العبري وهو يتحدث عن خطاب نعيم قاسم بصفته استمراراً لـ”هيبة” نصرالله. وعندما يبدأ العدو في إعادة احتساب الكلفة النفسية لأي عملية، فاعلم أن الردع لم يُكسر.
أميركا: المنطقة الصناعية.. على جثّة السيادة
أما أميركا، وعبر مبعوثيها من طراز توم براك، فترسل الرسائل تلو الرسائل حول ضرورة نزع سلاح الحزب. وتطالب الحكومة أن “تفعل شيئا”. وقد فعل نواف سلام شيئًا فعلاً: فشل في إطفاء شعاع، فهل سينجح في إطفاء نار المقاومة؟
إذا كانت واشنطن تراهن على مشروع “منطقة ترامب الصناعية” في الجنوب، فربما عليها التفكير ببناء “منطقة ترامب للانعاش السياسي” في وزارة الخارجية، لأن الجنوب اللبناني ليس للبيع ولا للتأجير.
الصخرة ليست مجرد معلم سياحي. هي حجر في بناء خطاب الردع الجديد، حيث الصورة تساوي موقفاً، والليزر يُمهد للبارود، والمقاومة تُجدد عهدها بين الناس، لا في القصور.
من صخرة الروشة.. تبدأ الحكاية من جديد…














