| جورج علم |
أن يفوز الأميركي آموس هوكشتاين في هذه الجولة، فهذا الأمر يتطلّب معجزة، وقد غادرنا زمن المعجزات بتاريخ مضى، بعدما سيطرت النزوات على العقول، وتحولّت الديار العامرة إلى مجمّع خراب، وإكتئاب!
تفيد الرواية، بأن ورقة أميركيّة قد سلّمت إلى المفاوض اللبناني، وأحالها الأخير إلى “حزب الله” ليدرسها، ويضع ملاحظاته عليها، قبل أن يحيلها بدوره إلى المفاوض، الذي يكمل الشوط، بإحالتها إلى الأميركي لإجراء المقتضى.
وما بين أحال، ويحيل، يستوطن المستحيل. والسفير الناشط سابقاً في اللجنة الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة، والعاطل عن العمل حاليّاً، يتوقف عند خمسة تقتضي شفافيّة الحقيقة إجهارها كما هي:
أولاً: إن المعنيّ الآخر بالمفاوضات الهادفة إلى وقف لإطلاق النار، سواء أكان أميركيّاً أو إسرائيليّاً، أو من بلاد الما ماو… ينظر بخبث وإرتياب إلى هذه الرواية، وفي جعبته ما يكفي من الأسئلة حول موقف الجماعات اللبنانية الأخرى من الأسلوب والإخراج.
والمعنيّ الآخر، الواقف على الضفّة الأخرى، يقول: “نحن نفاوض دولة، لا مقاومة. نحن نتعاطى مع حكومة لدولة ذات سيادة، وعضو مؤسسس في المنظمة الدوليّة، وجامعة الدول العربيّة، وليس مع حزب مسلّح. ويتمّ التعاطي مع المفاوض اللبناني الرسمي، وقد وقعت القرعة على رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في زمن الفراغ الذي ينعم سعيداً قي قصور المؤسسات الرسميّة الخالية الخاوية، المشرّعة الأبواب والنوافذ”!
ثانياً: “قد يكون لضرورات المرحلة مبرّرات تستوجب حدوث ما حدث، خصوصاً بعدما إرتضى برّي أن يلعب دور الوكيل، نيابة عن الأصيل – (الأخ الأكبر يمثّلنا) ـ ولكن الأصيل هو المتهم والملاحق خارجيّاً، وهو الفريق المثار للجدل داخليّاً من قبل معارضة تعترض على وضعيته المسلّحة ضمن التركيبة منذ ما قبل “طوفان الأقصى”، و”جبهة المساندة”، و”توحيد الساحات”. فكيف يمكن الجمع بين هذه المتناقضات، علماً بان الهدف من كل ما يجري على الساحة الدبلوماسيّة، هو إعلاء شأن الدولة، وتحرير الوطن من فوضى الفجور، والتحايل على الدستور؟!”.
كان يمكن أن يحصل ما حصل بخفية، وبكثير من الحكمة مراعاة لدقّة الظرف، وحساسيّة المرحلة، وتجنباً لما قد يعتبر من قبل البعض على أنه إستفزاز لا يخدم الجهود المبذولة للجم الجائحة، خصوصاً وأن الكلّ يعلم بأن المفاوض اللبناني – أيّاً يكن – لا يمكنه أن يقدم على خطوة، إلاّ بعد الوقوف على رأي المقاومة، لكن بأكبر قدر من السرّية، وليس على طريقة “أنا أعمى ما بشوف. أنا ضرّاب سيوف!”.
ثالثاً: “إن قرار المقاومة ليس عندها، بل عند الراعي الداعم، والمساند الذي يرسم، ويخطّط، ويدرّب، ويسلّح، ويجهّز، ويموّل، ويرصد المتغيّرات، ويحشد في الميدان، بهدف تحقيق الطموحات. وعندما يكون الأمر على هذا المستوى من التحالف والتآلف، تخرج المفاوضات عن مسارها الثنائي المباشر، لتتحول إلى جزء من كل، وإلى حالة تفصيليّة تابعة لمعادلة إقليميّة ـ أميركيّة ـ غربيّة أكثر تشعباً وتعقيداً. هل يفاوض لبنان عن نفسه عندما يستشير المقاومة، أو عن غيره، ومن رصيده؟!”.
الجواب معروف، ولا يحتاج إلى أطلس لفكّ الألغاز… الأميركي يعرف، والغرب كذلك، والرأي العام الدولي المهتم والمتابع، وبدلاً من أن تجول المفاوضات في شعاب المنطقة وتفقد الكثير من مؤهلاتها لمصلحة لبنان، يفترض بالحريصين على ما تبقى، توفير المناخ المؤاتي للمحاولة الراهنة كي تنجح حتّى لا يذهب الوطن “فرق عملة” في بورصة صراع المصالح الإقليميّة ـ الدوليّة.
رابعاً: مرّ عام على “طوفان الأقصى”، وما جرف إلى غزّة من ويلات، ونكبات… ورفض المفاوض على الضفة الأخرى، كل المساعي والمبادرات الهادفة إلى وقف إطلاق النار، والدخول في حوار للتفاهم على مواصفات اليوم التالي في القطاع؟ فهل يقبل بتغيير أسلوب التعاطي مع لبنان، ما لم يقبل به في غزّة؟
الواضح من جانبه أنه يريد التفاوض تحت النار، أي أنه يريد ـ إذا تمكّن ـ الوصول إلى وضعية “غالب ومغلوب”. وفرض شروط الغالب على المغلوب!”. وإذا كان إصرار من جانبه على بلوغ هذه المعادلة بقوّة الحديد والنار، فَلِمَ كلّ هذا الضجيج المرافق لجولة هوكشتاين، والحديث عن إحتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وكل الدروب المؤدية إلى المبتغى، تبدو مفخخة بألف لغم ولغم؟!
خامساً: إن أي وقف لإطلاق النار يجب أن ينطوي على شموليّة كاملة متكاملة لمعالجة الأزمة في لبنان من بابها حتى محرابها.
ما يريده الإسرائيلي هو أن يكون أي وقف لإطلاق النار، مدخلاً لحرب أهليّة، خصوصاً إذا ما عاد الحديث عن دولة ودويلة إلى المربّع الأول، وكأن شيئاً لم يحصل، أو كأن كلّ الذي حصل هو لتكريس هذه المعادلة بحجّة أنها عمّدت بالدم، وسوّرت بهذه التكلفة العالية من البشر والحجر!
وتبقى أسئلة ثلاثة، على طول الطريق الممتد ما بين واشنطن، وبيروت، وتل أبيب:
• هل يحمل هوكشتاين في جعبته جديّة أميركيّة تخوّله القول لبنيامين نتنياهو “الأمر لي”، ويفرض صيغة متوازنة لوقف النار؟ أم أنه يزور مودعاً، ولرفع العتب؟!
• هل الظرف الأميركي ـ الإيراني بات مسهّلاً، ومساعدا لتدوير الزوايا الحادة، والتوصل إلى حل لمصلحة لبنان الدولة الحاضنة للجميع، أم لا زال الوضع متأرجحاً في مرحلة إكتشاف النوايا، والخبايا، مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حاملاً في يمينه سلّة من العقوبات الجديدة؟
• هل وقف إطلاق النار ـ في حال بلوغه ـ سيكون مدخلاً لبناء الدولة القويّة، القادرة، العادلة، والشفّافة، أما مدخلاً لحرب أهليّة ما بين أنصار الدولة، وأنصار الدويلة تقضي على البقية الباقية من وحدة الأرض، والشعب، والمؤسسات؟!
يُقال إن الخريف لا ينطوي أديمه على عشب أخضر، فهل يحمل خريف الولاية في طياته هذا المبتغى؟