| مرسال الترس |
يجزم اللبنانيون، العريقون في العلاقة مع العاصمة الفرنسية، أن تعبير “الأم الحنون” يعود إلى حقبة الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول وما قبلها، ولكنه سقط من حسابات “عاصمة الأناقة” بعد وصول رئيس الحزب الاشتراكي فرنسوا ميتران إلى سدة الرئاسة عام 1981، الذي ربما كان متأثراً بأسر المانيا الهتلرية له عام 1940 ومن ثم هروبه، ليعمل لاحقاً على توثيق التكامل السياسي والاقتصادي مع أوروبا الغربية على كل ما يتعلق بالاستعمار السابق.
وأهل بلاد الأرز بدأوا يتلمّسون ذلك التبديل الجوهري في النظرة إلى البلد الذي رسم الجنرال هنري غورو خرائطه عام 1926، حيث أنه بعد نحو سنة على تسلم ميتران مقاليد الحكم في “الجمهورية الخامسة”، التي رسم معالمها الجنرال ديغول، لم تتوان “إسرائيل” عن احتلال بيروت كأول عاصمة عربية تتجرع هذا الكأس، من دون أن يرفّ أي جفن لبلاد “النورماندي” التي مارست استعمارها على العديد من المناطق في العالم. في حين كان سلفه الجنرال ديغول، الذي نال شرف المساهمة في تحرير بلاده من الاحتلال الألماني، قد اقام الدنيا ولم يقعدها، لأن “إسرائيل” تطاولت على مطار بيروت في سبعينيات القرن الماضي.
وربما على هذه الخلفية “الميترانية”، لم يقبض اللبنانيون جدياً الزيارة السريعة التي قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة اللبنانية، بعد ساعات معدودات على انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، لأنهم ربما لم يصدقوا أن فرنسا التي غرقت في “وحشية” الغرب حتى أذنيها، وبات الأميركيون والبريطانيون يتحكمون بمفاتيح مقدرات سياستها، قادرة على اجتراح المعجزات بدون “بطاقة مرور” أميركية.
وهذه النظرة، حاول تجميلها مؤخراً السفير الفرنسي السابق في لبنان وأحد أبرز مستشاري الرئيس ماكرون للشؤون الدبلوماسية، إيمانويل بون، على هامش مؤتمر عُقد في باريس، حيث همس في أذن أحد الوزراء اللبنانيين النشطين، حقيقة الموقف الفرنسي، حيث قال: “الغريب أنكم لم تبادلوا الغيرة الفرنسية على لبنان والتي أبداها رئيسنا في أكثر من مناسبة، حيث تظنون أننا نعمل لصالح إسرائيل، وننشط لتأمين المعلومات التي تضر لبنان لها، في حين أننا صادقون في إبداء حرصنا على لبنان الذي كان لنا اليد الطولى في تحقيق استقلاله”.
أما الوزير اللبناني الذي فوجئ بما سمع، فحاول إلقاء اللوم في ما يحصل، على التنوع المتعدد الأوجه في لبنان، وعلى الغرب عموماً الذي يبدي كل التعاطف مع “إسرائيل” وما تنقله عبر إعلامها له، في حين يدير الأذن الطرشاء للقضايا العربية.
وفي حين انتهى الحوار عند هذه التوضيحات، يبدو أن هناك “ديغوليين بالدم” يصرّون على أن يوصلوا رسالة أن هناك في فرنسا من ينظر بعين الحنان إلى بلاد الأرز، المعقل الأخير للوجود الفرنسي في هذا الشرق الذي يبدو أنه ينتظر رسم خرائطه الجديدة على يد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو!