الأضرار تتراكم وسط إقفال للشركات وزيادة في البطالة: العدو يتكبّد خسائر اقتصادية أيضاً!

جريدة الأخبار

| ماهر سلامة |

يحاول العدو الصهيوني الترويج لسردية تفيد بأن عدوانه على لبنان يأتي بلا أكلاف اقتصادية، لكن الواقع الظاهر للعيان في الصحافة الإسرائيلية، أنّ الخسائر الاقتصادية التي بتكبّدها كيان العدو هي كبيرة ولا تُقارن بخسائر الدول الأضعف.

رغم التعتيم الكبير الذي تمارسه سلطات العدو على نشر ما يتعلق بمسار الحرب والخسائر العسكرية، إلا أن ما يظهر في الصحافة الإسرائيلية يشير بأن حجب رؤية المسار والخسائر المباشرة يظهر في نتيجته الواقعية، أي في الاقتصاد وسلوك المجتمع. القطاعات تموت في شمال الكيان، والقلق بادٍ على المستهلكين من احتمالات التوسّع وتعرّض البنى التحتية للقصف من حزب الله وسط جهوزية منخفضة للتعامل مع تطوّرات كهذه. الأمر، الآن، لا يشبه ما حصل في بداية العدوان على غزّة وفتح جبهة الإسناد في جنوب لبنان. ففتح المعركة على مصراعيها مع حزب الله له تبعات واضحة لم يعد ممكناً إنكارها. الإقرار لا يأتي من رأس السلطة السياسية، وإنما على لسان الجمهور الذي يلمس الوضع ويتعامل معه يومياً. فمنذ منتصف أيلول الماضي تتراكم الخسائر لتصبح موجعة أكثر كلما تصاعدت وتيرة الحرب وتقدّمت في الزمن. وفقاً لمراسل الشؤون الاقتصادية لموقع «زمن إسرائيل» تاني غولدشتاين، فإن «تصعيد الحرب ضدّ حزب الله، واتّساع نطاق إطلاق النار جنوباً منذ منتصف أيلول، يزيد من حجم الأضرار الاقتصادية الهائلة». يستند في كلامه إلى بيانات وتقديرات جمعها من جهات مختلفة، للإشارة إلى أن «حجم الأضرار التي لحقت بالشركات، في الشهرين الماضيين، أكبر بكثير مقارنة بالأشهر السابقة».

يقول المستشار الاقتصادي لغرفة رجال الأعمال روبي ناثانزون، أنه «منذ بدء العملية البريّة في لبنان، تعرّضت 77 ألف شركة في منطقة حيفا لأضرار اقتصادية. وهذا الرقم يضاف إلى 101 ألف شركة في الشمال سبق أن تعرضت للأضرار منذ بداية الحرب في تشرين الأول 2023. ففي الشهرين الأخيرين، اتّسعت المناطق التي تتعرض لوابل كثيف من القذائف كل يوم، وسُجّل انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي، وخصوصاً في الجليل والجولان اللذين تتركز فيهما 15% من الأعمال التجارية في الدولة برمتها». وفي النتيجة «سجّلت 57% من الشركات العاملة في هاتين المنطقتين انخفاضاً في حجم الأعمال، فيما يقع 11% من الشركات في حيفا التي بدأت ترصد أضرارها». وفي المحصّلة، «أغلقت منذ بداية الحرب 59 ألف شركة إسرائيلية، وافتُتحت 36 ألفاً أخرى. علماً أنه مقارنة بالسنوات العادية يتم فتح وإغلاق 50 ألف شركة سنوياً». صافي عدد الشركات لم يعد صفرياً كما في السابق، بل بات سلبياً بخروج 23 ألف شركة نهائياً من السوق. وتركّزت الأضرار في قطاعات البناء والسياحة والترفيه والثقافة، وسائر القطاعات الخدماتية، كما أغلقت نصف مطاعم الشمال لفترات طويلة. «23% منها أغلقت بشكل دائم، وباتت اليوم مهجورة، حيث تشهد بين حين وآخر مجموعات من جنود الاحتياط في طريقهم إلى لبنان بين الطاولات الفارغة، وباستثناء محلات السوبر ماركت، تكاد تكون المتاجر فارغة تماماً».

ينعكس الوضع الناشئ من توسيع الحرب على حركة الاستهلاك. تنقل إحدى الصحف الإسرائيلية عن صاحب متجر للأدوات المنزلية، أنه «منذ التصعيد الكبير، يأتي عدد أقل من العملاء كل أسبوع، وحصل لدي انخفاض بنسبة 20% في المبيعات».

ينتظر هؤلاء التجّار تعويضاً مناسباً، لكن ما تدفعه الحكومة الصهيونية من تعويضات له سقف وحدود محصورة بمن انخفضت مبيعاتهم بنسبة 25% أو أكثر. ومن أشهر أماكن الترفيه في نهاريا «مقهى بوردو» الذي لم يسجّل أي حركة منذ أشهر. يقول مالكه ياكي أمير: «أغلقنا أبوابنا لمدّة ثلاثة أشهر، لأنه لا يوجد زبائن. هناك عدد قليل من الجنود هنا وهناك، ونعطيهم خصومات، لكن حجم المبيعات انخفض بنسبة 70%. ومع ذلك، أنا ملزم بدفع الرواتب والإيجار والضرائب العقارية والفواتير».

الألم الذي يسببه الصهيوني في لبنان، هناك ألم مماثل له في فلسطين المحتلّة. التقارير الصحافية الإسرائيلية تشير إلى ما يحصل في الأيام التالية لإطلاق صفارات الإنذار. «إضافة إلى التراجع في عدد المتسوقين منذ بداية الحرب، فإنه بعد يومين من انطلاق صفارات الإنذار، تصبح الأماكن خالية تقريباً، المطاعم في الشوارع القريبة فارغة، وأماكن الترفيه شبه مهجورة، ومجمعات التسوّق والترفيه لا يوجد فيها أي طفل. هذا ليس مشهداً نموذجياً لإسرائيل، وهو أمر ليس مبشّراً بالخير للأعمال التجارية في حيفا التي تغلق وتفتح بالتناوب».

وبحسب المتحدث باسم بلدية حيفا إليران طال، فإن «جميع الأعمال الخدماتية في حيفا تضرّرت. لقد تأثّرنا كما هو الحال في الدولة بأكملها، وتفاقمت الأضرار أخيراً، وأغلقت بعض الشركات أبوابها. هناك أضرار كبيرة لتجارة التجزئة والمطاعم والثقافة. المسارح لا تعمل والعروض ملغاة، ونعتزم إضافة حيفا إلى قائمة المدن التي يحقّ لمصالحهم التجارية الحصول على تعويضات».

قبل الحرب كان عدد الفنادق يتناقص في الناصرة. ومع بداية الحرب، لم تسجّل الفنادق القائمة انتعاشاً يقوم على النازحين.

لكن بعد توسّع الحرب، يمكن القول إن السياحة في الناصرة ماتت. وبحسب رئيس بلدية طبريا، يوسي نبوة، فإن قرار أجهزة الأمن بإغلاق الشواطئ «هو تنفيذ لحكم الإعدام على المدينة بسبب انهيار الأعمال التجارية وتراجع حجم الأعمال بنسبة 70% منذ بداية الحرب». رئيس جمعية المزارعين في طبريا دوبي أميتاي، يلفت إلى أن الأضرار الزراعية في المناطق التي تم إخلاؤها تُضاف إلى التصاريح العسكرية التي تفرضها القوى الأمنية للعمل هناك.

الأمر لا يقتصر على الخدمات والزراعة، فالصناعة الصهيونية لها نصيب أيضاً من الحرب. يصرّح المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات داغان ليفين: «أثّرت الحرب في الصناعة بأبعاد مختلفة؛ تأثر الإنتاج سلباً، لأن عدداً من العمال موجودون الآن في خدمة الاحتياط في الجيش، وهناك آخرون خائفون، أو لا يستطيعون الوصول إلى المصانع الواقعة على خط المواجهة، كما تأثرت القدرة على توصيل البضائع بسرعة إلى العملاء في الخارج بسبب انخفاض عدد الرحلات الجوية، وهناك عملاء في الخارج لا يثقون بقدرتنا على توصيل البضائع».

ومن المفارقات أيضاً أن انقطاع التيار الكهربائي في المدن والقرى يحصل لمدة طويلة من دون أن تكون هناك جاهزية للتعامل معه من قبل المؤسسات المعنية، وهو ما يثير الكثير من الأسئلة لدى مؤسسات الدراسات الإسرائيلية التي تسأل عن الاستعدادات للتعامل مع مخاطر انعدام الجهوزية في البنية التحتية الحيوية، ولا سيما الكهرباء والمياه، والوقود، والأنظمة المالية. وفقاً لدراسة أعدّها أربعة من كبار العلماء المتخصصين في جامعة حيفا في قضايا الكوارث وحالات الطوارئ (كارميت رابابورت، إلداد شيمش، كيرين ليفي سنايدر، دفنا كانتي) ونشرتها صحيفة «معاريف»، فإن الكهرباء هي المصدر الأساسي لعدد من خدمات النقل العام ومياه الشرب من الحنفية (الصنبور) والعلاج الطبي المنقذ للحياة في المستشفيات… عملياً، يسعى حزب الله إلى «تدمير البنى التحتية الحيوية الإسرائيلية وتعطيلها، بما فيها البنى التحتية المادية والشبكية السيبرانية، أحياناً باستخدام الأدوات العسكرية والاستخباراتية، وأحياناً أخرى عبر الهجمات المسلّحة».

وأضافت الدراسة أنه «ليس سرّاً أن الحرب الحالية تعرض الإسرائيليين لتهديدات جديدة وغير مألوفة مثل تسلّل الطائرات بلا طيار، والهجمات الصاروخية الواسعة النطاق، والحرب الطويلة الأمد الممتدة إلى مناطق واسعة. وفي النتيجة حصلنا على «لمحة بسيطة» عن أحد التهديدات التي ربما لا تزال تواجهنا، وتتمثل في فرضية انقطاع إمدادات الكهرباء عقب توجيه ضربة صاروخية في منطقة ما، تنقلها إلى أوضاع أكثر فوضوية».

في ضوء هذه السيناريوهات، تبيّن لمعدّي الدراسة أن «الإسرائيليين يدركون التهديد المحتمل لانقطاع التيار الكهربائي أثناء الحرب، لكنهم في الوقت نفسه يشعرون أن قدرتهم على مواجهة مثل هذا الحدث منخفضة نسبياً، إذ يقول 68% إن انقطاع التيار الكهربائي يشكل خطراً على الدولة إلى حدّ كبير، وخاصة أن انقطاعاً كهذا سيلقي بظلاله السلبية على إمدادات المياه والغذاء والخدمات الصحية».

40% من سكان الجليل الأعلى عاطلون من العمل بحسب تصريحات رئيس بلدية طبريا يوسي نبوة

مليار دولار فاتورة التعويضات… حتى آب

يفرض العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني على لبنان فاتورة ضخمة من التعويضات التي سدّدتها السلطات للشركات العاملة في شمال فلسطين المحتلة بسبب الخسائر التي تكبّدوها. إذ تشير المعطيات إلى أنه بين تشرين الأول 2023 وآب 2024، دُفعت تعويضات للشركات بقيمة إجمالية تبلغ 4.4 مليارات شيكل (أكثر من مليار دولار أميركي) عن الأضرار غير المباشرة. وهذا الرقم لا يشمل تعويضات الأضرار المباشرة للأعمال التجارية في المباني التي أصيبت بشكل مباشر بالصواريخ والطائرات من دون طيار، ما يعني أن عدد الشركات التي ستقفل مرشح للارتفاع فضلاً عن ارتفاع في معدلات البطالة.