أميركا وفرنسا تهدّدان لبنان: سحب المقاومة من الجنوب أو الحرب

يتصرف الغربيون في لبنان على خلفية أن العدو ربح الحرب في غزة، وأن في الإمكان، بالتعاون مع دول عربية، العمل على “إعادة تنظيم الوضع في لبنان، من بوابة محاصرة حزب الله ودفعه الى تنازلات، سواء في ما يتعلق بالمقاومة أو في الملفات الداخلية، وخصوصاً رئاسة الجمهورية”.

وأظهرت الاتصالات التي شهدتها الأيام العشرة الماضية أن الأميركيين، بالتعاون مع فرنسا والسعودية والإمارات، وضعوا ملف الرئاسة جانباً، ويركّزون على ما يسمّونه إدارة “الفترة الفاصلة”، وهم يصرحون بوضوح بأن ما يطلبونه من إجراءات يخدم مصالح أمنية إقليمية ودولية، تبدأ بـ”إسرائيل” ولا تنتهي بسواحل أوروبا ونفوذ دولها في المنطقة.

وقال مرجع معني لـ”الأخبار” إن المشترك في ما ينقله الفرنسيون والأميركيون والسعوديون وغيرهم هو المطالبة بتمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون، وإن هؤلاء أوعزوا إلى حلفائهم المحليين القيام بكل ما يسهّل التمديد. وأضاف أن الضغوط في هذا السياق بدأت تأخذ مساراً تصاعدياً بعد فشل محاولة التمديد عبر مجلس الوزراء، ما يفرض التوجه الى مجلس النواب.

وأوضح المرجع أن ضغوطاً تمارس على الرئيس نبيه بري لتسهيل المهمة، مع وعود بأن يحضر المقاطعون للمجلس جلسة تشريعية موسعة، شرط إدراج البند الخاص بالتمديد لعون وإقراره. وتهدف الضغوط على بري أيضاً إلى نزع أي عراقيل من أمام الجلسة، مع ترجيحات بأن حزب الله سيكون محرجاً بعدم التصويت لمصلحة التمديد، فيما لا ضير من بقاء التيار الوطني الحر وحيداً في صف المعارضة.

الأسباب الموجبة لطلب التمديد لقائد الجيش كانت صريحة أيضاً في أنها لا تتعلق بجدول أعمال لبناني. وبلغت الوقاحة بالفرنسيين حدّ قول إن التمديد لعون يمثل مصلحة أوروبية ودولية، وإن الغرب لا يثق بأيّ ضابط غيره الآن، وقد سبق أن أظهر استقلالية في تجاوبه مع المجتمع الدولي في ملف منع هجرة النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين الى أوروبا، وصولاً إلى التهديد بأن عدم التمديد له يعني وقف المساعدات المالية للجيش.

أما الوجه الآخر للمهمة التي يريدها الخارج لقائد الجيش فتتمثل في أن يقوم بدور «لمنع حزب الله من جر لبنان الى حرب واسعة في المنطقة، ولتعديل الوقائع الميدانية جنوباً». ولم يكتف هذا التحالف بالإشارة الى الوضع على الحدود من زاوية ضبط الأوضاع الأمنية، بل تحدث صراحة عن أن «العالم، بعد ما جرى في غزة، لا يمكنه السماح لأحد بتهديد “إسرائيل” أو تهديد الأمن العالمي، وأن على لبنان المساعدة في إيجاد آلية تسمح بتنفيذ القرارَين 1559 و1701، وإقناع حزب الله بالحسنى، والاستعداد لاستخدام وسائل أخرى إن لم يسحب قواته من جنوب نهر الليطاني، ويترك الأمر للجيش اللبناني بالتعاون مع قوة معززة من اليونيفيل».

ربما يعرف الغربيون وحلفاؤهم العرب بأنهم يعمدون، عملياً، الى تهديد السلم الأهلي في لبنان من خلال هذه العناوين، وخصوصاً أنهم يرفقون مطالبتهم الجيش على القيام بدور خاص، بتحريض قوى سياسية أساسية في لبنان على إطلاق حملة ضد سلاح حزب الله، والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية. وقد أبدت القوات اللبنانية استعدادها لقيادة تحالف سياسي داخلي يتولى هذه المهمة.

وكان لافتاً ذهاب بعض الغربيين الى مستوى التهديد بأن الضغط العالمي على “إسرائيل” لعدم توسيع حربها لتشمل لبنان قد لا يستمر بصورة دائمة، وأن عدم استجابة لبنان للمطالب بمنع وجود حزب الله جنوب نهر الليطاني، سيقود الى توتر وتصعيد كبيرين، وأن “إسرائيل” ستجد نفسها مضطرّة لتنفيذ المهمة عسكرياً.

وقد أظهر الموفدون الفرنسيون الذين زاروا بيروت تعاطفا كبيرا يتجاوز الدعم السياسي لـ”اسرائيل”، وبرروا الكثير مما يقوم به العدو في غزة. وقال ايمييه «إننا ننظر الى ما حصل في 7 اكتوبر كأنه حصل معنا، واذا اخذت بالامر بالنسبة والتناسب، فان 1400 قتيل في “اسرائيل” يوازون 16000 قتيل في فرنسا. اذا تعرضنا لضربة ادت الى مقتل 16 الف مواطن فرنسي، ماذا ستكون ردة فعلنا؟ سنرد بجنون وبعقلية ثأر وقساوة، ولن نقبل ان يسألنا احد عما نفعله”.

وأورد ايمييه هذه الاشارة في معرض حديثه عن «ضرورة ان يأخذ لبنان في الاعتبار وضع “اسرائيل”، وان يسعى الى منع حصول تصعيد، لأن احداً لن يقدّر رد فعل “اسرائيل” على اي تصعيد”.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين في كيان الاحتلال أن الولايات المتحدة بدأت العمل على “تقليص احتمالات التصعيد مع لبنان، وإبرام تسوية للحدود البرية على غرار الحدود البحرية، بهدف إبعاد حزب الله بشكل دائم عن الحدود”.

ولوحظ أن قادة العدو ووسائل إعلامه يكثرون من الحديث عن هذه الجهود، في سياق مساعي جيش الاحتلال لإقناع المستوطنين في الشمال بأن عودتهم ستكون سريعة الى منازلهم. كما أن قادة هذه المستوطنات أكثروا في الأيام الماضية من الحديث عن أن سكان مستعمرات الشمال لن يعودوا قبل أن يزول تهديد حزب الله على الجبهة المقابلة.