بالتأكيد، ليس هناك ترابط بين نتائج القمة العربية في المملكة العربية السعودية، وبين المناورة العسكرية الجريئة التي نفّذها “حزب الله” في معسكر عرمتى ـ كسارة العروش، بمحاذاة معلم مليتا.
ربما المصادفة وحدها شاءت أن تكون المناورة، المقررة قبل انعقاد القمة العربية لمناسبة عيد المقاومة والتحرير، قد حصلت على “مباركة” من الملوك والرؤساء والحكام العرب، في بيانهم الختامي، والصادر من السعودية تحديداً، لتحصل المقاومة في لبنان ـ مجدداً ـ على تغطية عربية كانت قد أطاحتها العواصف السياسية والمشاريع التي أصابت المنطقة العربية على مدى أكثر من خمس عشرة سنة مضت.
وبمعزل عن السياق الميداني للمناورة، وما قدّمته من عرض للقوة، وما وجهته من رسائل عسكرية إلى العدو الإسرائيلي يعرف جديتها وفاعليتها، فإن الرسائل السياسية كانت أبعد وأعمق من استعراض لم تكشف فيه المقاومة ما تمتلكه من قدرات ما زال العدو الإسرائيلي يفتش عن طرف خيط فيها.
ربما تكون هذه المناورة، العلنية الأولى التي ينفّذها “حزب الله”، هي الأخطر بالنسبة للعدو الإسرائيلي الذي يحتسب ألف حساب لمضامينها، وتعامل معها اليوم بحذر شديد، وتحريض على “حزب الله”، بينما كانت حكومة الاحتلال تنعقد في أنفاق تحت المسجد الأقصى.
هنا تحديداً يكمن عنوان رسائل “حزب الله” العديدة: المسجد الأقصى والقدس.
وهي رسائل مكتوبة بسلاح التهديد بعبور المقاومة الحدود مع فلسطين المحتلة، وتحملها قوة عسكرية قادرة على هدم الجدار الذي يحاول الاحتلال الاحتماء خلفه.
ومع أن بعض ردود الفعل المحلية لم تقارب المناورة بأبعادها الاستراتيجية، وإنما ببعض الرهانات الضيقة والحسابات الخاطئة، إلا أن ذلك لا يلغي أن “حزب الله” نجح في استقطاب أنظار العالم، لمراقبة مناورة المقاومة، مع علمهم المسبق أن “حزب الله” لن يكشف عن “أسلحته السرية”، ولا مكامن قوته الفعلية، لأنه يعرف متى يجب أن يكشف عن بعض قوته.
فقط، قدّم “حزب الله” ثلّة من نخبة مقاتليه، وعرضاً يعرف قبل غيره أن لا مفاعيل له بالمعنى العسكري، واستعراضاً إعلامياً تجاوز أي تغطية حصلت لأي حدث في لبنان، حيث حضر المناورة أكثر من 500 إعلامي من مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية.
عملياً، يمكن القول إن “المناورة الحقيقية”، بأبعادها ومضامينها، نفّذتها وحدة العلاقات الإعلامية في “حزب الله” التي يتولّى رئاستها الحاج محمد عفيف. وقد نجحت هذه المناورة في توقيتها، ووصلت رسائلها، و”عبرت الحدود”، وهذه المرة، بزخم المشروعية التي أضفتها القمة العربية، ومن السعودية تحديداً، على المقاومة.
وقد “وقّع” رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين على الرسائل السياسية والعسكرية والإعلامية، بالتأكيد أن “المقاومة لم تتعب ولم تتراجع”، وكرّر ثابتة في مفهوم “حزب الله” هي التأكيد للبنانيين أن “يزدادوا طمأنينة” لأن “قوة المقاومة هي لحماية لبنان وحفظ سيادته”، ذلك لقطع الطريق على بعض القوى التي تحاول تحريف أهداف المقاومة.