لن يحرّك بلوغ الدولار عتبة الـ47 ألف ليرة ساكناً، لن يدفع الناس للإعتراض. تكاد تنحصر همومهم في كيفية إحياء سهرة الميلاد ورأس السنة، وقد باتت لعبة الدولار فرصة ذهبية لتحقيق الأرباح لا سيما للعاطلين عن العمل، ومعظمهم يتاجر به.
البحث عن الدولار نشَّط لعبة المراهنات في القرى، تحوّلت الأخيرة إلى «أوكار قمار» معظم روّادها من الشباب يراهنون على المجهول، مليارات الليرات تصرف يومياً في لعبة القمار تلك، خسائر كبيرة يتكبّدها اللاعبون، وصلت في حاروف وحدها إلى ملياري ليرة يومياً ومثلها يحصل في باقي القرى. كثر مُنوا بنكسات مالية، وقعوا تحت رحمة الدَين، الكلّ يلعب ليربح، ولكن الربح ليس مضموناً.
تكاد تكون لعبة «الكازينو» حديث الناس، في كل بلدة ثمة محل أو اثنان، لكل منهما مندوبون جوّالون أسوة بالصرافين الجوالين، الذين «يشرجون» للمراهنين المبالغ التي يريدونها.
فما هي هذه اللعبة ؟
هي تطبيق عبر الهاتف، يتمّ تنزيله لتبدأ «المغامرة» بعد «التشريج» أي شحنه بالمال، عبر وكلاء ينتشرون بكثافة في القرى، يصطادون الشبان. علاقتهم المباشرة بحسب المعلومات ترتبط مع شخص من آل الخليل يسكن في بيروت. هو يدير هذه الشبكة، وهي حكماً لعبة خارجة عن القانون، لا ترخيص لها وهو جرم يحاسب عليه القانون على ما تقول المحامية دانيا عبد الفتاح التي تؤكد أنّ كل ألعاب الكازينو غير المرخّص لها هي جرم يعاقب عليه القانون اللبناني.
لم تألف قرى الجنوب هذا النوع من الألعاب و»عالمكشوف»، باتت حديث الشارع، اللاعبون بمعظمهم حزبيون ما يزيد الطين بلّة فيتحوّل المراهنون «حرامية وتجّار مخدّرات»، لأنّهم يلجأون إلى السرقة لتأمين المال لكي يلعبوا. كُثر مدمنون عليها، هي أشبه بمخدّرات من نوع آخر. يربط كُثر تزايد الجريمة بانتشار هذه الآفة. لم تنس الحاجّة أم علي يوم ضربها إبنها العشريني لكي يسرق مصاغها ويقصد «وكر المقامرة»، ما زالت تبكي من وقع صدمتها، فابنها بات يُدمن اللعب، يخسر يومياً بحدود الـ500 دولار، فيلجأ الى السرقة ليعوّض خسارته.
ويتذكّر أبو إبراهيم كيف سرق ابنه مدّخراته وكاد يقتله لأجل هذه اللعبة، ويقول: «الشباب في خطر إذا بقيت اللعبة مفتوحة على مصراعيها».
محمد (اسم مستعار) أحد المغامرين، يعمل في شركة الكهرباء وقد سرق مولّدات ومحوّلات عدّة لأجل المقامرة، وقد انتهى به المطاف في السجن. لا تتوقّف الأمور عند الشباب والرجال بل هناك نسوة إندفعن الى تلك اللعبة. سهام إحدى هذه السيدات دفعت قبل أيام ألفي دولار دفعة واحدة، فخسرت معظم المبلغ.
يروي أحمد صاحب إحدى الصالات حجم تهافت الشباب على هذه اللعبة. كان عاطلاً عن العمل، لا يملك قرشاً واحداً قبل أن يدخل غمار هذه اللعبة ويحقق أرباحاً طائلة. بحسبه، فإنّ خسارة الزبون تربحه أكثر، من دون أن يخفي حجم تعلّق الشباب بهذه اللعبة. ويقول إنّ «هناك مافيا كبرى تديرها، هي بمثابة منظّمة محترفة تهدف الى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، فهي تلعب على وتر الربح، تمكّنهم من الربح في المرّة الأولى فيتعلّق المراهنون بها قبل أن تبدأ موجة الخسائر».
وفق المعلومات، فإنّ مكاتب المراهنات «مدعومة» وهي ظاهرة غريبة عن منطقة النبطية، ولا تخفي مصادر مواكبة أنّ معظمها يعمل بحماية أمنية، أمّا الأحزاب فتغضّ الطرف عنها رغم مناشدات رجال الدين عبر المنابر وخُطب الجمعة للحدّ من هذه الظاهرة التي زادت من حدّة الجرائم والسرقات والمخدّرات.
ألعاب الميسر تحتاج إلى ترخيص، ما يعني أنّ معظم المحال التي تشرّع أبوابها لها هي غير قانونية، وفق ما يشير مرجع قانوني، واصفاً ما يحصل في القرى بالجريمة الكبرى، غير أنّ الكلّ يستغلّ غياب الرقابة وتحلّل الدولة «ويفتح ع حسابه» رغم ما ينتج عن هذه الألعاب من جرائم. ويتوقّف المرجع عند ما شهدته بلدة أنصار قبل شهر من إشكالات تخلّلها تضارب سكاكين على خلفية سرقة أحد المراهنين المال… فعلياً لا حسيب ولا رقيب بدليل انتشار هذه الآفة في القرى بشكل غريب ومثير، فهل تتحرّك القوى الأمنية وتضبط الوضع قبل فوات الأوان؟
رمال جوني -“نداء الوطن”