بين اوروبا وروسيا… سلاح لا يتمنى أحد اللجوء إليه!

منذ أُعلن قبل أيام أن فرنسا لن ترد بسلاحها النووي إذا استخدم الروس أسلحتهم الذرية على الأراضي الأوكرانية؛ يُتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه ينقصه الحذر في موضوع إستراتيجي، فهل ذهب رغبة منه في طمأنة الفرنسيين إلى طمأنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وبالتالي يجب تحديث ما نعرفه وما لا نعرفه، وما يفترض ألا نقوله عن التهديد النووي في سياق الحرب في أوكرانيا.

هذا ما يراه موقع “ميديا بارت” (Mediapart) الفرنسي الذي أبرز أن ماكرون قال بكل وضوح إن “إستراتيجيتنا النووية مبنية على الدفاع عن المصالح الأساسية للأمة، وهي محددة بوضوح شديد، وليس فيها على الإطلاق الرد إذا وقع هجوم باليستي نووي في أوكرانيا أو في المنطقة”؛ مما يعني أن فرنسا لن تحرك ساكنا كما هو متوقع، إلا أن العديد من الشخصيات أعربوا عن أسفهم لهذا القول، منوهين إلى أن الرئيس الفرنسي ما كان ينبغي أن يجيب بهذه الدقة، لأن بوتين سيفسرها “بضعف غربي”، كما يرى برونو تيرتري نائب مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية بفرنسا.

ونبّه الموقع -في مقال للصحفية جوستين برابان- إلى أن رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل تدارك الأمر في اليوم التالي وقال إن هجوما نوويا من جانب روسيا على أوكرانيا سيؤدي إلى رد عسكري من الغرب، ليس نوويا بالتأكيد، ولكنه “قوي جدا لدرجة أنه سيبيد الجيش الروسي”.

وفي الوقت نفسه، تساءلت الصحفية: هل يجوز أن نلوم رئيس دولة لكونه شديد الوضوح في المسائل النووية؟ لأن سياسة الردع مسألة غامضة، تثير حولها الدول التي تمتلك هذا السلاح كثيرا من الشك في ما يتعلق بالمبادئ الرئيسية التي أعلنتها والطرق الملموسة لتطبيقها.

هل سيستخدم بوتين الأسلحة النووية؟
هذا “السؤال” -كما ترى الكاتبة- هو الذي يؤرق قادة العالم والعديد من المواطنين، خاصة بعد أن أكد بوتين في 21 سبتمبر/أيلول الماضي أنه سيستخدم “كل الوسائل المتاحة له للدفاع عن روسيا وعن شعبه” في حالة وجود تهديد لوحدة أراضيها، ورد عليه الرئيس الأميركي جو بايدن محذرا من احتمال “هرمجدون” أو حرب نهاية الكون.

غير أن الشيء المؤكد منذ بداية الحرب في أوكرانيا أن الرئيس الروسي ألمح إلى أنه يمكنه فعل ذلك، عندما وضع قوة الردع النووية في حالة تأهب، مشيرا إلى أن سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تمثل “تهديدا لوجود الدولة الروسية وسيادتها”، بعد أن كان وقع مرسوما في يونيو/حزيران 2020 يحدد أن موسكو أذنت لنفسها باستخدام الأسلحة النووية في حالة “الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا”.

بالنسبة لمن لا يؤمنون بهذا الاحتمال، فإن تصعيد الكرملين لفظي يدخل في “لعبة” الردع العادية، لأن استخدام السلاح النووي يعني أن إستراتيجية الردع التي تؤطره قد فشلت، أما بالنسبة للخبراء والأكاديميين والجنود والمتخصصين الذين شاركوا في برامج نزع السلاح النووي، فهم منقسمون حول هذه المسألة، إلا أنهم يعتقدون أن إخفاقات بوتين العسكرية الأخيرة جعلت ظهره إلى الجدار، وبالتالي فإن استخدام الأسلحة النووية يمكن أن يشكل الملاذ الأخير بالنسبة له.

ومع ذلك، يرى وزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام بيري أن “بوتين عقلاني وليس مجنونا، ويمكنه استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا لتحقيق النصر؛ وبالتالي ضمان بقاء نظامه”، خاصة أن موسكو لديها “ميزة نسبية” هي ما يسمى الأسلحة النووية التكتيكية، وأشار إلى أن “فرص نشوب حرب نووية شاملة كانت عالية أيام أزمة الصواريخ في كوبا، ولكن فرص استخدام السلاح النووي أعلى اليوم”.

كيف ستبدو الضربة النووية الروسية؟
وتساءلت الكاتبة: هل سيرى العالم الضربة النووية -إذا قررت روسيا القيام بها- قبل أن تقع؟ لترد بأنه من الصعب إخفاء تحريك الصواريخ النووية عن يقظة أجهزة المخابرات الأميركية التي تراقب مواقع هذه الصواريخ عن طريق صور الأقمار الصناعية، وربما أيضا من مصادر بشرية، بل إن الروس يمكن أن يجعلوا هذه العملية مرئية طوعا من أجل زيادة الضغط على خصومهم.

يقول مسؤول السياسة النووية السابق في مجلس الأمن القومي بالولايات المتحدة فرانكلين ميلر، حسب ما نقله عنه موقع “بوليتيكو” الأميركي “أعتقد أن الروس إذا كانوا يستعدون للقيام بذلك فسيحاولون الإبلاغ عنه، كانوا ينقلون الذخائر النووية بشكل واضح من مواقع التخزين، ملمحين بأنهم ينقلون الذخيرة من مواقع التخزين المركزية إلى وحدات إطلاق النار. سيعطوننا المزيد من الوقت للتفكير في الأمر والقلق”، ولكن السؤال المزعج أكثر هو: هل هذه الصواريخ النووية التي شوهدت تخرج من ملجئها لتنضم إلى منشأة إطلاق النار جاءت لضربة حقيقية أم هي خدعة؟

أما كيف يمكن أن تبدو الضربة النووية الروسية، فهذا أيضا مجال اختلاف -كما تقول الكاتبة- إذ يمكن إطلاق السلاح النووي في منطقة غير مأهولة، ولكنه لن يكون مرئيا؛ وبالتالي لن يكون له التأثير المطلوب بالضبط. يقول إدوارد غيست، الباحث المتخصص في شؤون روسيا بمؤسسة رند القريبة من الجيش الأميركي، “إذا كنت تريد أن تكون مصدر تهديد، فيجب أن تبدو مثيرا للإعجاب على شاشة التلفزيون، ولو فعل بوتين ذلك “فلن يبدو مخيفا، بل سيبدو غبيا إلى حد ما”.

وحسب تقديرات جزء من الصحافة الأميركية، فإن مثل هذا الهجوم إذا حدث يمكن أن يهدف إلى تدمير مدينة أوكرانية بأكملها مثل قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، غير أن ويليام بيري اختار فرضية أن يكون الهجوم على منشأة عسكرية أوكرانية لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين.

كيف سيرد حلف الناتو؟
وعقب زوال الدهشة والرهبة، سيتعين على بقية العالم اتخاذ خيارات صعبة، لأن اللحظة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، لأن الولايات المتحدة عندما أسقطت قنابلها على هيروشيما وناغازاكي عام 1945 كانت هي القوة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، أما اليوم فتمتلكه 9 دول؛ 3 منها حلفاء لأوكرانيا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا).

وجاء رد ماكرون واضحا نيابة عن فرنسا، فهي لن ترد على توجيه ضربة لأوكرانيا، ولكن ماذا لو تم استهداف أراضي دولة عضو في الناتو من أجل تدمير طرق إيصال المساعدات العسكرية الغربية؟ ففي هذه الحالة سيُطلب من المنظمة الرد بموجب المادة 5 من المعاهدة التأسيسية بشأن “الدفاع الجماعي”.

أما الولايات المتحدة فقد كونت فريقا للتفكير في سيناريوهات الرد، مع أن “مراجعة للموقف النووي” الأميركي تنص على أن الولايات المتحدة “ستسعى جاهدة لإنهاء أي صراع بأدنى مستوى ممكن من الضرر”، كما أن الفريق خلص -بعد ساعات طويلة من النقاش- إلى أنه يجب على الولايات المتحدة عدم استخدام الأسلحة النووية في البداية على الأقل.

وفي الواقع، لا أحد -كما تقول الكاتبة- من كبار موظفي الخدمة المدنية أو كبار الضباط أو السياسيين أو الباحثين المستقلين أو الأكاديميين الذين تحدثوا عن هذه القضية يريد أن ترد الدول بهجوم نووي، وكلهم متفقون على عدم الضغط مطلقا على الزر المصيري.

وخلصت الكاتبة إلى أنه لا أحد يريد المجازفة بخطر الحرب العالمية الثالثة و”الدمار المؤكد المتبادل” إذا وقع تصعيد بين القوى النووية، ولكن كل جانب تقريبا لديه مصلحة في ترك الشك معلقا، على أمل أن يمنع هذا الشك موسكو من اتخاذ إجراء، كما يقتضي مبدأ الردع.

ولعل هذا هو معنى تهديد بايدن عندما وعد روسيا “بعواقب وخيمة” في حال استخدام الأسلحة النووية، وربما هو معنى خروج رئيس الدبلوماسية الأوروبية الذي يعد “بإبادة” صريحة للجيش الروسي إذا حدث ذلك، وربما أيضا يكون هو السبب في تسريب نتائج تدريبات المحاكاة التي أجراها الجيش الأميركي تحت ولاية باراك أوباما، وذلك لإرسال إشارة تقول إن جزءا من الدولة الأميركية لن يتراجع عن ضربة نووية.