/سارة طهماز/
كأن كل الأزمات التي تنهال على كاهل اللبناني لم تعد تكفي، ففي مقابل الغلاء الفاحش في أسعار المحروقات والسلع الاستهلاكية والأدوية والفاتورة الاستشفائية وغيرها من الخدمات، لم تستطع الدولة إنصاف الموظف، وبشكلٍ خاص العاملين في القطاع العام، ولازالت أجورهم كما لو أن لبنان جنّة وردية يُتاح فيها كل شيء بأسعار زهيدة. وبعد أن كان اللبناني يسعى إلى نيل وظيفة الحلم في القطاع العام، صار يعض أصابعه ندماً. ومن هذا المنطلق قرر الإضراب المفتوح بعد وقفات احتجاجية وبيانات تحذيرية عدة، ما انعكس شللاً في المؤسسات والإدارات العامة كافة.
إلى ماذا توصلت الاجتماعات المتتالية في السرايا الحكومية في ملف اضراب القطاع العام والرواتب والأجور؟ وهل سلّة الاجراءات الحكومية لدعم الموظفين التي أصدرتها اللجنة الوزارية، ستُقنع الموظفين وتدفعهم الى تجميد إضرابهم؟ أم سيستمرون برفض هذه القرارات وفي إضرابهم أيضاً؟ وما تداعيات الاضراب على استمرار عمل مؤسسات الدولة وتسيير المرافق العامة؟
والأخطر في الأمر هو تصريح وزير المال يوسف الخليل، بأن استمرار اضراب الموظفين سيؤدي الى شلل الدولة ومؤسساتها، ما يتهدد استمرارية تأمين الرواتب والأجور الأساسية! فماذا لو توقفت الدولة عن دفع رواتب الموظفين؟. وهل يجري تخيير الموظفين بين المعروض عليهم من دعم مالي (راتب إضافي وبدل نقل وغيره من الحوافز)، وبين عدم قبض رواتبهم الأساسية وتحت طائلة الإجراءات العقابية؟
يُجيب الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش، في حديث لموقع “الجريدة”، بالقول: “دخلت المفاوضات بين رابطة القطاع العام والحكومة اللبنانية في حلقة مفرغة، فالصيغة الأولية التي بحثت فيها اللجنة الوزارية تتضمن استفادة موظفي القطاع العام من راتب ومنحة تعادل الراتب وبدل نقل 95 الف ليرة، وبدل إنتاج يومي تراوح قيمته ما بين 150 ألف ليرة و300 ألف، مقابل حضور 3 أيام على الأقل أسبوعيّاً. لكن الصيغة غير النهائية هذه قُوبِلت برفض الموظفين واستمرارهم في الاضراب، كونهم يرفضون التدابير المؤقتة وعدم إدخال هذه الزيادات في صلب الراتب، وهذا ما لا يمكن إقراره اليوم قبل معرفة الواردات الحقيقية التي يمكن أن تحصلها أية تعديلات، سواء في الرسوم التي سيتم تحصيلها بالدولار الأميركي، أو تلك التي يمكن أن يتم تحصيلها بفعل التعديل في الدولار الجمركي، والوارد في موازنة العام 2022”.
وتابع عكوش: “سيناريوات عدة ستُطرح لتحصيل الإيرادات اللازمة لتمويل زيادات الرواتب، ومنها رسوم هبوط الطائرات الأجنبية في مطار بيروت بالدولار النقدي بدلاً من تحصيلها على سعر صرف 1500 ليرة، بما يسمح بإدخال 500 إلى 600 ألف دولار يومياً إلى خزينة الدولة. كما يمكن تأمين الأموال من خلال سلفة، ليبقى طرح التمويل من الدولار الجمركي قيد الدراسة، وهو اقتراح في حال السير به بطريقة غير مدروسة وغير متدرجة بالتوازي مع رفع الرواتب وبشكل متدرج أيضاً، سوف ينعكس سلباً على الدورة الاقتصادية والنمو عموماً نتيجة انكماش مرتقب للاستهلاك وحركة بعض القطاعات” .
لكن وزير المال يوسف الخليل يصر على أن المخصصات المالية الإضافية التي تعطى للعاملين في القطاع العام تحت مسميات مختلفة، بالملحة والطارئة، هي كافية ضمن الإمكانات الحالية وتهدف لإعادة تفعيل القطاع العام كي يأخذ دوره على أكثر من صعيد وأبرزها تسيير أمور الناس، وتحصيل إيرادات لصالح الخزينة العامة، وتوفير رواتب القطاع العام نفسه .
ويشير عكوش إلى أن الاستمرار في الاضراب المفتوح يعني الذهاب نحو انحلال الدولة وتوقف العمل بشكلٍ تدريجي حتى في القطاع الخاص المرتبط بشكلٍ أو باَخر بعمل القطاع العام، وهذا ما يحصل اليوم بالنسبة لموضوع تراكم الحاويات في مرفأ بيروت وعدم إخراجها في الوقت المناسب، وهذا ما حصل ويحصل مع الصادرات الزراعية عبر البر ويمكن أن يحصل مع الصادرات الصناعية عبر المرافئ البحرية.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن “الخيارات اليوم أمام الموظف أصبحت ضيقة، والحكومة تأخرت كثيراً في اتخاذ الإجراءات المطلوبة كما تأخرت في موضوع العلاج المصرفي وخطة التعافي”، ويرى أنه “من الضرورة اليوم الإسراع في إقرار الموازنة ووضع استراتيجية واحدة للتعامل مع القطاع العام بالتوازي مع زيادة الواردات، وإلا فإننا ذاهبون نحو الأسوأ”.
ويضيف: “في المقابل نفّذت السلطة ما هدّدت به في الاجتماعات السابقة التي عقدت في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وبحضور المديرين العامين، وأقرّت تجزئة الأجور لتصبح مشكّلة من أربع أجزاء تشترط فيها حضور الموظفين إلى العمل من أجل تقاضيها. كما قرّرت أن ترفع الدولار الجمركي من خلال إصدار مرسوم استثنائي يعدّ مخالفاً للدستور، وهذا التهديد للعاملين في القطاع العام يشمل إحالتهم إلى التأديب إذا لم يحضروا أقلّه ثلاثة أيام أسبوعياً، أو بفصلهم واعتبارهم مستقيلين من الوظيفة في حال استمر تغيّبهم عن العمل لمدّة 15 يوماً متتالية”.
فماذا سيكون عليه الحال هذا الشهر الذي سيكون شهر الفصل؟ وهل يسير القطاع العام نحو الانهيار؟