في لبنان محطتان بارزتان: الأولى هي الزيارة المفصلية للوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية إلى بيروت، والثانية هي مناسبة عيد الجيش التي ستجمع خصوصاً الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي اللذين تسود قطيعة بينهما حالياً.
في الموضوع الأول، حط آموس هوكشتاين بعد الظهر في بيروت حيث يجري اليوم وغداً محادثات مع المسؤولين اللبنانيين الذين ينتظرون منه رد العدو الإسرائيلي على العروض الأخيرة التي حمّلوه إياها سابقاً/ ليبنوا على الشيء مقتضاه.
وصول هوكشتاين، سبقه موقف لوزارة الخارجية الأميركية أكدت فيه أن التوصل إلى حل في المفاوضات البحرية ضروري وممكن، كما سبقه موقف لبناني حاسم عبّر عنه الرئيس نبيه بري بوضوح: لا للتنازل ولا للمساومة … نريد حقل قانا كاملاً … يا كلّو… يا بلاه.
وفي سياق متصل بعثت المقاومة برسالة ذات مغزى عنوانها: (اللعب بالوقت غير مفيد).
الرسالة حملها فيديو للإعلام الحربي يظهر رصد منصة كاريش وسفينتي الحفر والإنتاج والإحداثيات، الأمر الذي لم يقرأ فيه الإعلام العبري إلا فصلاً من فصول الحرب النفسية.
على المستوى السياسي ترقبٌ للإحتفال العسكري الذي يقيمه الجيش في عيده غداً في المدرسة الحربية بالفياضية لتخريج دفعة جديدة من الضباط.
الإحتفال سيحضره رؤساء الجمهورية ومجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال، وعلى وجه التحديد، سيكون أول مناسبة تجمع الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، فهل ينجح الرئيس نبيه بري في كسر القطيعة بينهما، ولا سيما أنه كان قد أعلن بالأمس محاولته تحقيق إجتماع رئاسي ثلاثي، أو ثنائي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
في انتظار الموقف الرسمي اللبناني من المحادثات، لا لزوم لأي تكهن او تحليل او تعليق حول نتائج زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، خصوصاً إذا كان المتكهنون أو المحللون أو المعلقون من عدة الشغل السياسية والإعلامية المحلية، الذين يسارعون إلى ملء الشاشات، والذين يتكلمون في كل المواضيع، خصوصاً تلك التي لا يفقهون فيها شيئاً، ولا يملكون من معلوماتها الموثوقة، إلا التمنيات أو التسريبات المقصودة من هذا الطرف أو ذاك في الداخل والخارج.
فمن انتظر سنوات للوصول إلى هذه اللحظة، يستطيع أن ينتظر بضع ساعات ليدرك الخبر اليقين، من المعنيين بالتفاوض، والملمين بالتفاصيل، لا من أي شخص أو جهة أخرى.
وفي الانتظار، يصادف اليوم 31 تموز 2022، أي بداية الأشهر الثلاثة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من دون أن تبرز في الأفق معطيات يمكن الركون إليها على خط الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً بالنسبة إلى المرشحين، حيث يتم تضييع المعايير عمداً لدى البعض، وهي ضائعة في كل الأحوال لدى البعض الآخر، لتدخل بورصةَ المرشحين المتداولين في وسائل الإعلام يومياً أسماء لا تخطر في بال، وتطرح ألف سؤال وسؤال.
أما الحكومة العتيدة، ففي الثلاجة، والتعويل على لقاء على هامش الاحتفال بعيد الجيش غداً في الفياضية، لن يتعدى إطار الكلام المتداول هنا وهناك، طالما ثمة من يصرُّ على تخطي الميثاق والدستور، وضرب مبدأ وحدة المعايير في التعامل بين جميع اللبنانيين، وتأجيل تأليف الحكومة يدفع ثمنه الناس يومياً تأجيلاً للحلول الجذرية للأزمة الاقتصادية والمالية ومتفرعاتها، لمصلحة مواصلة سياسة الترقيع التي لا تجدي إلا في تهريب المسؤولين عن تعطيل الحلول، إلى الأمام.
المنار بعينِها التي تضربُ اقصى البحرِ، وابعدَ نقاطِ التحدي مهما ارتفعَ موجُ التهديدات، وبسلاحِ الجهوزيةِ والاستعداد، كانت رسالةُ المقاومةِ الاسلاميةِ الى العدوِ الاسرائيلي اليوم..
رسالةٌ من وحيِ القولِ والفعلِ المتلازمينِ معاً براً بحراً وجوا، وضمنَ اداءِ مقاومةٍ مشهودٍ لها بالمفاجآتِ الصادقةِ والاِحداثياتِ الدقيقةِ ، وصاحبة الانجازات الكبيرة في كلِّ الميادينِ والجبهات، حيثُ تكونُ حدودُ لبنانَ مُصانة، ومياهُه محميةً، والثرواتُ محرمةً على السارقينَ والمعتدينَ والمروِّجينَ للتنازلاتِ المخزيةِ والمؤذية..
قبلَ ايامٍ قالَها الامينُ العامُّ لحزبِ الله السيد حسن نصر الله إنَ منصةَ كاريش وكلَّ ما في مياهِ فلسطينَ من منصاتٍ وسفنٍ انما هي تحتَ نظرِ المقاومةِ بمواقعِها وحركاتِها، واليومَ يَكفي ان تَرمُقَ عدسةُ المقاومةِ منصةَ كاريش بلقطةٍ واحدةٍ واضحةٍ عن بُعدِ تِسعينَ كليومتراً لتؤكدَ انْ لا تهاونَ في تطبيقِ المعادلاتِ، وانْ لا غفلةَ للحظةٍ عما يُخططُ له العدوُ ضدَّ وطنِنا وثروتِه.
متعددَ الاتجاهاتِ كانَ مضمونُ مشاهدِ الاعلامِ الحربي اليوم : اولا للعدوِ في عمقِ عمقِه الاستراتيجي والعسكري ، ثم للداخلِ اللبناني المدعوِّ دائماً للاستثمارِ في قوةِ المقاومةِ والاستفادةِ منها لضمانِ استخراجِ الغازِ قبلَ فواتِ الاوان ، وايضاً لكلِّ من يَدَّعي وَساطةً ولم يُعرَفْ سوى بحملِه الضغوطَ ومحاولاتِ شراءِ الوقتِ لمصلحةِ الكيانِ الصهيوني على حسابِ المصلحةِ اللبنانية.
والى التصالحِ معَ الواقع يُدعى الكثيرُ من المسؤولينَ اللبنانيينَ حيثُ تبقى حدودُ الازماتِ مفتوحةً على مزيدٍ من التعقيد ، وحيثُ لا يوجدُ من يستمعُ للعروضِ الانقاذيةِ الشقيقةِ والصديقةِ لاسيما الايرانيةِ المتواصلةِ منذُ ثلاثةَ عشرَ عاماً خاصةً في قطاعِ الكهرباءِ وبناءِ معاملِ الانتاجِ وصولاً الى الفيول المجاني. على هذا المنوالِ يُتركُ المواطنُ اللبنانيُ مكبلاً بعلاماتِ الاستفهامِ عما يريدُه المعنيونَ في ادارةِ الدولةِ من عدمِ فتحِهم الطريقَ امامَ المساعدةِ الايرانية، ولماذا الاصرارُ على رهنِ مصيرِ البلدِ للحصارِ من دونِ كهرباءَ، وكلُّ شرايينِه الرئيسيةِ مُقطَّعةٌ بالدولارِ والمحروقاتِ والاقساطِ والاضرابات.
الرابعة والدقيقة الثماني والخمسون من الحادي والثلاثين من تموز 2022 ، سقط جزء من معالم جريمة تفجير مرفأ بيروت، ولسخرية القدر ، جاء هذا السقوط ، وبالصدفة ، تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء في جلسة عقدها منتصف نيسان الماضي واتُخذ فيها قرارٌ بالهدم ، وكُلّف مجلسُ الإنماء والإعمار بالإشراف على عملية الهدم ، واتُخِذ القرار يومها بناء على دراسة أعدها الخبير الفرنسي إيمانويل دورون عن خطر تعرّض القسم الشمالي من المبنى للسقوط…
رمزية ما حصل اليوم أنه يأتي قبل أربعة أيام من 4 آب 2020 ، تاريخ جريمة التفجير الذي أوقع 232 ضحية ومئات الجرحى ودمَّر نصف العاصمة ، ودمَّر معه ما تبقى من صدقية القضاء في لبنان ، حيث الحقيقة مازالت مجهولة أو محجوبة .
يأتي هذا التطور اليوم في ظل تطورات متسارعة تتعلق بالترسيم . المفاوض الأميركي آموس هوكستين عاد إلى بيروت ، وترافق مع وزير الطاقة وليد فياض من اليونان ، لكن بدايةَ محادثاته كانت مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إيراهيم .
بدء محادثات هوكستين جاءت في رسالتين من حزب الله : الأولى نشرُهُ فيديو يتضمن التصويبَ على منصة الاستخراج في كاريش ، من خلال إظهار منصة صاروخ مع إحداثيات عن منصة الإستخراج. والرسالة الثانية عناصر من حزب الله بالقمصان السود على الحدود ، ظهروا ” بمشيةٍ عسكرية ” ترافقهم سيارات رباعية الدفع ، تحت نظر جنود اسرائيليين .
فهل سيتمُ التفاوض على وقع عراضات حزب الله ؟