/ علاء حسن /
لم تكن المقاومة في لبنان يوماً موضع اجماع من قبل اللبنانيين بمختلف فئاتهم، ولم تكن الحكومات المتعاقبة بعد الطائف متماهية مع المقاومة يوماً… لكن أن يصبح العمل المقاوم الداعم للدولة مطعوناً في الظهر في مرحلة بالغة الحساسية، فذلك ما يثير الدهشة ويزيد من مستوى العتاب.
أما وأن يصدر بيان على لسان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بعد اجتماعه برئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، يذكر فيه عملية المسيرات الأخيرة فوق حقل “كاريش” على أنها “جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي” فهو أمر أثار استغراب المقاومة بشدة. وما زاد في امتعاضها من البيان هو محاولة إعطاء “دروس في الأخلاق الوطنية” للمقاومة عبر مطالبتها بــــ”التحلّي بروح المسؤولية الوطنية العالية”.
تستغرب المصادر المطلعة ما صدر لأن الرئيس المكلف يعلم أنه لم يصل إلى السرايا أول مرة لولا موافقة “الثنائي الشيعي”، ولم يصل إليها في المرة الثانية عند اعتذار الرئيس سعد الحريري لولا جهد الرئيس بري وتأييد “حزب الله”، ثم هذه المرة لم يكن ليكلف لولا أصوات “الثنائي” وبعض الحلفاء، وتسأل عن الجدوى من هذا الموقف “المنحاز لتوجيهات السفيرة الأميركية في بيروت، والذي يشبه إلى حد بعيد موقف فؤاد السنيورة عام 2006 عند استنكاره لعملية الأسر، وبعدها الدفاع في حرب تموز الذي كان نصراً عربياً وطنياً باعتراف العدو قبل الصديق؟!”.
في رأي تلك المصادر أنه لم يكن على ميقاتي تأييد عملية المسيرات الأخيرة فوق حقل “كاريش”، بقدر ما كان عليه “السكوت والتحلل من قدرته فرض إرادة الحكومة على إرادة المقاومة، وبالتالي استغلال الموقف لصالح التفاوض الجاري على موضوع الثروة النفطية، لا إضعاف العملية التفاوضية عبر التفريط بهذه الورقة الأساسية في تحصيل ما يمكن تحصيله عبر التفاوض الجاري”. وتسأل المصادر “كيف وافق الأميركي على الخط 23، وأيضاً على موضوع حقل قانا، لولا المقاومة وما تقوم به؟”.
تشير المعطيات إلى أن اتصالات جرت بين كل من “حزب الله” والرئيس ميقاتي الذي أُبلغ بهذا العتاب مباشرة، حيث كان المتوقع منه الالتزام، في الحد الأدنى، بشروط العلاقة الداخلية والعمل مع الخارج وفق النهج الذي كان يعتمده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يستغل عدم سلطة الحكومة اللبنانية على المقاومة آنذاك لصالح البلد والحصول على مكتسبات من خلال هذه النقطة، الأمر الذي كان يستدعي من ميقاتي عدم التصريح ضد العملية وانتظار نتائج التقييم الأميركي لها، خصوصاً في ظل الرسائل العديدة التي تصل إلى المقاومة عبر وسطاء أوروبيين وغيرهم يعلن فيها الكيان عدم رغبته تصعيد الأمور نحو أي مواجهة عسكرية قد تؤدي إلى حرب بين الطرفين.
وقد جرى تأكيد هذه المعطيات خلال زيارة رئيس حكومة العدو الإسرائيلي يائير لابيد إلى باريس وإعلان رغبته استمرار التفاوض، وقهو ايضاً ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في تصريحاته عندما أكد على ضرورة “تجنب أي عمل من شأنه أن يهدد العملية الجارية بشأن قضية الغاز الشائكة”.
يعلم ماكرون جيداً أنه لا يستطيع المراهنة على الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان كورقة ضغط عليه، في الوقت الذي يعاني الكيان الصهيوني من أزمة اقتصادية أيضاً، فضلاً عن أزمات سياسية وأمنية داخلية تكبحه عن القيام بأي تصعيد تجاه لبنان في الوقت الراهن، أضف إلى ذلك، حاجة أوروبا السريعة إلى تعويض نقص الغاز الروسي قبل حلول فصل الشتاء وحصول أزمات مشابهة في القارة العجوز.
أما بخصوص مواقف الوزير عبد الله بو حبيب والنائب الياس بو صعب بشأن عملية المسيرات، فإن المصادر لا ترى أن مواقفهما بالأهمية المذكورة طالما تنصل كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من البيان المذكور وغيره من المواقف، وبالتالي يكفي لـ”حزب الله” أن يكون الرئيس عون، الذي يدير عملية التفاوض، مؤيداً للعملية كي يتم الاستفادة منها كورقة قوة بوجه العدو الصهيوني.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه لا يبدو أن التوتر القائم بين “حزب الله” وميقاتي يؤثر على مسار تشكيل الحكومة الذي يعاني بدوره من عقد كثيرة بحد ذاتها. وعليه من غير المتوقع أن يتعامل “حزب الله” بملف تشكيل الحكومة بكيدية نتيجة موقف ميقاتي الأخير.