/ خلود شحادة /
تكشف حركة السفير السعودي وليد البخاري في الأيام الماضية، إدارة ظهر سعودية كاملة للملفات السياسية في لبنان.
ليس ثمة ما يوحي أن المملكة العربية السعودية مهتمّة بتشكيل الحكومة، ولا بالتحضير لاستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية.
“عقل” الرياض في مكان آخر هذه الأيام. تتعاطى المملكة مع ثلاثة ملفات دسمة ومفصلية في مستقبلها وفي دورها وفي علاقاتها:
ـ التحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في النصف الثاني من شهر تموز الحالي، مع ما تعني هذه الزيارة على مستوى إعادة مسار العلاقات بين واشنطن والرياض إلى سكته القديمة، وتأثيرها على مستقبل الحكم في المملكة.
ـ ماهية ما ستؤول إليه الخطة الأميركية لإنشاء “ناتو” عربي يجمع المملكة ودول الخليج ومصر والأردن مع “إسرائيل”، والتداعيات التي ستنشأ على قيام هذا التحالف العسكري في مواجهة “العدو” المشترك، إيران، والثمن الذي يفترض أن تدفعه “إسرائيل” مقابل هذا التطبيع العسكري نظرياً، والسياسي ـ الاقتصادي ـ التجاري ـ السياحي فعلياً.
ـ مسار المفاوضات الجارية بين السعودية وإيران، والذي بلغ محطة متقدّمة، وانعكاساته في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
هذه الملفات “الدسمة” على طاولة المسؤولين السعوديين، تُقصي بالكامل أي اهتمام في زوايا الرياض بالوضع اللبناني، بينما اللبنانيون غارقون في أزماتهم المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدستورية.
ما يقوله السعوديون عن وضع لبنان، يؤكّد أن “مصيف” السعوديين التاريخي غير موجود في حساباتهم ولا على أجندتهم.
لهذا، ربما، يغيب السفير السعودي عن أي نشاط رسمي، باستثناء المشاركة الإضطرارية في اللقاء التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بيروت، بينما تغيّب عن زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، كما بحث عنه المصورون في المأدبة التي أقامها ميقاتي للوزراء العرب في السراي الحكومي ليتبيّن لهم أنه لم يحضر!
فجأة، نظّم السفير البخاري يوماً طويلاً في مدينة طرابلس، زار فيها كل “ذي شأن”، وأسمعهم كلاماً عن “وقوف السعودية إلى جانب اللبنانيين” وعن “مساعدة السعودية للبنان” وعن “دعم المملكة للمشاريع التي تعنى بشؤون الناس”، مشدداً على أن السعودية “لن تتعاون مع أي شخص يرتبط إسمه بالفساد، ولا مع أي حالة أو مشروع يشتم منه رائحة فساد”.
روى السفير البخاري للطرابلسيين الكثير من الحكايا عن المشاريع التي دعمتها المملكة في لبنان، وبكلفة عالية، من دون أن تبصر هذه المشاريع النور. “ولذلك، هناك قرار أن نقوم نحن بالإشراف المباشر على تنفيذ أي مشروع نقرّر إنشاءه أو دعمه في لبنان”.
لكن ما بدا لافتاً في كلام السفير البخاري أمام بعض من التقاهم، هو أن المملكة لم تتدخل في تسمية الرئيس المكلّف ولا تتدخل في تشكيل الحكومة. وفي إضافة بدت نافرة، أصاب البخاري بسهامه الرئيس سعد الحريري، من دون أن يسميّه، عندما تحدّث بشيء من الغضب والانزعاج من المرحلة السابقة ومن “المسؤولين” فيها، وكذلك عن الأموال التي صرفتها لمساعدة اللبنانيين، ولم تُصرف كما يُفترض.
المفارقة أن جولة البخاري في طرابلس، بدت وكأنها دخول سعودي مباشر في الشارع السنّي “من دون وسيط”، وجاءت بعد ساعات قليلة على فتح أبواب “بيت الوسط” لتكريم السفير الكويتي السابق عبد العال القناعي، بدعوة من النائب بهية الحريري، وطبعاً بمباركة وتشجيع من الرئيس سعد الحريري، والذي قال فيه السفير القناعي مديحاً كبيراً وتمنيات بعودته قريباً إلى الساحة.
الأرجح، أن الساحة السياسية السنية ستشهد، في المرحلة المقبلة، مزيداً من “الجولات” و”التمنيات”، على أن تنتهي إلى خلاصة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.