/ مرسال الترس /
من المتعارف عليه، ان الأحزاب والتيارات السياسية في العالم تسعى إلى جمع أطياف متعددة من المكونات الديموغرافية للمجتمع، لصهرها، ولإبعادها عن الصراعات التي قد تؤدي به الى الحروب الأهلية، والتي لم تفض في العادة الاّ الى التقسيم والتشرذم.
في لبنان، انعكست الحرب الطائفية، التي انطلقت في ربيع العام 1975، على الحياة السياسية في لبنان، ودفعت أهل السياسة لأن يرتدوا إلى طوائفهم ومذاهبهم حتى العظم، بدل أن يكونوا هم القدوة في لمّ أواصر المكونات اللبنانية، والتي كانت مضرب مثل في التعايش ثم تحولت الى أمثلة سيئة في المجتمع الدولي الذي دأب على توصيف الحالات الشاذة بـ”اللبننة”، وربما كان هذا ما خطط له جميع المتضررين من تلك الصيغة، وأولهم العدو الاسرائيلي.
قبل أكثر من خمسين سنة، وبعد الانتخابات النيابية في العام 1968، تكونت في ذاك المجلس كتلة حملت اسم “كتلة الوسط”، ومن أبرز أعضائها: صائب سلام (سني ـ رئيس حكومة أكثر من مرة)، كامل الأسعد (شيعي ـ ورئيس مجلس النواب أكثر من مرة)، سليمان قبلان فرنجية (ماروني ـ وزير في أكثر من حكومة أحدثها وزير داخلية في مرحلة الانتخابات النيابية) وآخرين من طوائف أخرى. وقد استطاعت، من خلال تماسكها وتعاونها ومثابرتها، أن توصل أحد أعضائها، سليمان فرنجية، إلى سدة الرئاسة الأولى في العام 1970.
في مجلس نواب 2022، غلب الطابع الطائفي أو المذهبي على معظم الكتل، وعلى سبيل المثال لا الحصر: تكتل التيار الوطني الحر” أو “لبنان القوي” (مسيحيون ذات غالبية مارونية)، حركة “أمل” أو “كتلة التنمية والتحرير” (مسلمون ذات غالبية شيعية)، حزب “القوات اللبنانية” أو “الجمهورية القوية” (مسيحيون ذات غالبية مارونية)، “حزب الله” أو “كتلة الوفاء للمقاومة” (مسلمون ذات غالبية شيعية)، الحزب التقدمي الاشتراكي أو جبهة النضال الوطني (مسلمون بغالبية درزية)، حزب الكتائب (غالبية مارونية). وعندما سعت بعض الكتل في المجلس النيابي الجديد إلى إحداث نقلة ما في تركيبتها، وقعت في المحظور الى حد كبير:
“كتلة الاعتدال الوطني” من عكار، التي ضمت النواب وليد البعريني ومحمد سليمان (سنة) وسجيع عطية (روم ارثوذكس) وأحمد رستم (علوي)، لم تنجح في ضمّ عبد الكريم كبارة (سني) إليها لعدة محظورات، أهمها أنها ستصبح كتلة سنية تفرض حصولها على وزير من الطائفة، والأمر ربما لا يلائم رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أو نظرائه في نادي رؤساء الحكومات السابقين. وثانياً لأن معظم أعضائها لم يحصلوا على “عمادة” كاملة من 14 آذار، بل ظلوا أقرب الى الحدود الشمالية وفق منظور البعض.
كتلة “التكتل الوطني المستقل”، التي تضم النواب: طوني فرنجية، فريد هيكل الخازن وملحم طوق (موارنة) وميشال المر (روم ارثوذكس)، أي غالبية مسيحية، لم تنجح حتى الآن في ضم النائبين جهاد الصمد وعبد الكريم كبارة (سنيان) الى صفوفها، لأنهما توجسا من الانضمام الى كتلة ذات غالبية مسيحية قد تُحسب عليهما هفوة، في حال وصلت أمور البلاد الى “مؤتمر تأسيسي” يتطلب مزيداً من التقوقع الطائفي والمذهبي.
أما “كتلة السيادة والاستقلال” التي قيل إنها ستضم النواب: ميشال معوض (ماروني) وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي (سنة) وأديب عبد المسيح (روم ارثوذكس)، فما تزال تنتظر الإعلان الرسمي، بعد رفدها بمجموعة وازنة من النواب التغييريين، والذين ربما ينتظرون أن يحل على رؤوسهم “حمام زاجل” يصوب سبيلهم المتعدد الاتجاهات!