الإثنين, ديسمبر 8, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةاقتصادتحرير 70 ألف متر مربّع من الأملاك البحرية: الحكومات المتعاقبة متورّطة... وحكومة...

تحرير 70 ألف متر مربّع من الأملاك البحرية: الحكومات المتعاقبة متورّطة… وحكومة سلام أيضاً!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| رلى ابراهيم |

قبل نحو شهرين، اتّخذ القضاء خطوةً نوعيةً في ملف التعدّيات على الأملاك البحرية، إذ أصدر مجلس شورى الدولة في 23 تشرين الأول 2025 قراراً قضى بإبطال مرسوم إشغال الأملاك البحرية في شاطئ زوق مصبح (المرسوم 3248) البالغة مساحتها قرابة 70 ألف متر مربّع. القرار صدر عن الهيئة المكوّنة من الرئيسة فاطمة الصايغ عويدات والمستشارتين هندي زعيتر وأسمهان الخوري، بناءً على دعوى جمعيتَي «الخط الأخضر» و«نحن» بالتعاون مع «المفكّرة القانونية». ومن المُفترض أن تنفّذ وزارة الأشغال هذا القرار، بإخلاء هذه المساحة وإعادتها ملكاً عاماً بحرياً مُتاحاً لعامّة الشعب، كما كانت عليه قبل المرسوم.

مع العلم أن الوزارة هي جزء من المشكلة؛ فعلى مرّ السنين عمدت إلى «بيع» الملك العام (مجاناً) عبر استصدار مئات رخص الاستثمار والصيانة لصالح المعتدين على البحر وتجديدها سنوياً ليتمكّنوا من التمادي في تعدّياتهم و«تبليط البحر» حرفياً، من دون أي رقابة أو محاسبة. كذلك، كان للحكومات المتعاقبة دورٌ لا يقلّ سوءاً في تشريع التعدّيات، لأجلِ إيرادات لا تكاد تُذكر، مقابل أرباح بملايين الدولارات للمتعهّد. وأبرز هذه التعدّيات ما قوننته حكومة سعد الحريري في 6 حزيران 2018، في المرسوم 3248، الذي منح شركة «دريم باي ذي سي ش.م.ل» (Dream by the Sea S.A.L) حق استثمار 70 ألف متر مربّع في منطقة زوق مصبح، ما أتاح لها ردم قرابة نصف المساحة وإنشاء مرفأ خاص للمراكب السياحية ومطعم ونادٍ صحيّ وجسر فوق سطح المياه وحدائق ورصيف صيانة للمراكب.

هذا المرسوم هو الذي أبطله مجلس الشورى أخيراً، مع العلم أن المساهِم الأكبر في هذه الشركة ليس سوى المقاول داني خوري وزوجته (890 سهماً) مقابل 100 سهم للمحامي مارك حبقة (وكيل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ومحطة «أم تي في» وغالبية الطبقة السياسية في البلد).

حكومة سلام متواطئة أيضاً

إلى جانب تحرير أملاك بحرية، تكمن أهمية هذا القرار في منح الجمعيات البيئية التي تُعنى بالملك العام صفة للطعن في كل الملفات المشابهة، خلافاً لقرار سابق أصدره مجلس الشورى نفسه في عام 2021 اعتبر فيه أن هذه الجمعيات لا تحمل صفة أو مصلحة مباشرة للطعن. ويتوجّب الآن على الحكومة الحالية مراجعة كل المراسيم السابقة عملاً بمبدأ المساواة أمام القانون، كما المساواة في تطبيقه. فبموازاة مرسوم مَنَحَ جزءاً من شاطى زوق مصبح لخوري لاستثماره، صدر في الجلسة عينها وفي التاريخ عينه المرسوم 3247، الذي منح «شركة الهبة العقارية» التي يُعدّ المقاول جهاد العرب أبرز المساهمين فيها، حق استثمار قرابة 70 ألف متر مربّع من الأملاك البحرية في منطقة الناعمة وأتاح له ردم البحر وبناء مرفأ سياحي ومطعم ونادٍ وحديقة وأمورٍ أخرى.

لكن، لدى طعن جمعيتَي «الخط الأخضر» و«نحن» في المرسوم بالطريقة نفسها التي طعنتا بها بمرسوم زوق مصبح، أي انطلاقاً من مخالفة المرسوم لشروط أساسية في القرار 144/س (الصادر في 10/6/1925 والخاص بالأملاك العمومية)، وفي المرسوم 4810 (الصادر في 24/06/1966، والمتعلّق بإعطاء رخص إشغال الأملاك العامة البحرية)، فضلاً عن إخلالهما بواجب تأمين تواصل الشاطئ ووحدته، ردّ مجلس الشورى الطعن، إذ اعتبر رئيس الغرفة الثانية طلال بيضون ومستشاره سميح مداح أنه «لا وجود لأي صفة أو مصلحة مباشرة للجمعيّات البيئيّة في تقديم الطعن».

الأمر الذي جرّد الجمعيات البيئية والمدافعة عن الحق العام من صفتها في حماية الملك العام والدفاع عنه مقابل منح المعتدين عليه حصانة قضائية. وبنتيجة هذا القرار، يستمر العرب في أعماله على شاطئ الناعمة، رغم أن وضعه مشابه لوضع خوري في الزوق، وقد صدر مرسومهما باعتماد الشروط نفسها والمساحة نفسها مراعاةً للمحاصصة الطائفية. مع العلم أن العرب وخوري ليسا وحدَهما المستفيديْن من استثمار الأملاك العامة بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، إذ تشير المعلومات إلى صدور 77 مرسوماً بعد الحرب، 87% منها لمنتجعات خاصة مخالِفة للشروط ومن دون أي خرائط أو أثر بيئي، ما يوجب إزالتها فوراً وفقاً للقانون، مقابل 13% فقط لصالح الدولة.

غير أن أيّ وزير أو حكومة لم يتجرّآ على سحب رخص المخالفين، بل دأبا على التواطؤ مع المعتدين ضد مصلحة الدولة والمواطن، إذ كانت الحكومات تعفيهم من الضرائب أو تتهاون في استحصال الرسوم المتوجّبة عليهم، ما فوّت على خرينة الدولة مليارات الدولارات. هكذا، ساهمت السلطة السياسية في ارتفاع المساحة الإجمالية للتعدّيات إلى 6.1 ملايين متر مربّع بحسب المسح الأخير الذي أجرته جمعية «نحن» في عام 2022. وباتت وزارة الأشغال تستخدم بدعة تُسمى «رخص صيانة» بهدف منح غطاء قانوني للمخالفات، أو بالأحرى منح المعتدي على الأملاك العامة ترخيصاً لصيانة هذه التعدّيات! وأيضاً غالباً ما يلجأ الوزير إلى التلطّي وراء هذه الرخص كوسيلة تحايل لتشريع مخالفات جديدة. الأمر الذي يجعل الوزير والحكومة برمّتها شركاء في مخالفة القانون وسرقة الملك العام.

وحتى حكومة نواف سلام التي تحمل لواء بناء الدولة والمؤسسات وتطبيق القانون، تواطأت كسابقاتها مع حيتان الشاطئ وناهبي الأملاك العامة، فكانت النتيجة انخفاض الإيرادات المتوقّعة من تسويات المخالفات بنسبة 60% في موازنة 2026، أي من 30 مليون دولار في عام 2025 إلى 12 مليون دولار في عام 2026. وفي محاولة لحفظ ماء الوجه، حاولت حكومة سلام القيام بإجراء شكلي، عبر استعادة التخمينات الواردة في المرسوم 2023، وحسم 30% منها، من دون أن ترفق بمرسومها الصادر في 19 أيلول الماضي، أي أسباب موجبة تبرّر فيها هذا الحسم، سوى أنه مبنيّ على تخمينات منخفضة لسعر المتر المتاخم للشاطئ.

مع العلم أن مجلس الشورى أبطل مراسيم سابقة تقضي برفع قيمة التخمينات. وهو ما لا يمكن تفسيره إلّا رضوخاً لأصحاب التعدّيات واستمراراً لنهج ميليشيَوِيّ يعتبر الشاطئ والملك العام ملكية شخصية يتصرف بها كما يشاء ووفق مصالح فئة ضيقة، لا مساحة عامة يكفلها القانون لكل المواطنين.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img