الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSlider"الجماعة الإسلامية" في لبنان: هل تستفيد من "رأسمالها" التاريخي بمواجهة محاولة إلغائها؟

“الجماعة الإسلامية” في لبنان: هل تستفيد من “رأسمالها” التاريخي بمواجهة محاولة إلغائها؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| خاص “الجريدة” |

تعتبر “الجماعة الإسلامية” واحدة من أكثر التنظيمات التي حملت تناقضات بلدٍ يعيش على حدود العاصفة دائماً. هي امتداد لبذرة “الإخوان المسلمين” في مصر، لكنها خضعت منذ لحظة ولادتها لتفاعل مركّب مع واقع لبناني متنوّع، وحرب أهلية مدمّرة، ووصاية سورية، واحتلال إسرائيلي، ونسق سياسي متقلّب. ولعلّ ما يميّزها أنها استطاعت، على عكس معظم الحركات الإسلامية في المنطقة، أن تنتقل بين الدعوة والعمل المسلّح والسياسة، من دون أن تفقد جوهر هويتها الإسلامية ـ الاجتماعية.

من “الإخوان” و”عبّاد الرحمن” إلى التأسيس الرسمي

تعود الجذور الأولى لـ”الجماعة الإسلامية” إلى أربعينيات القرن الماضي، حين بدأت أفكار حسن البنّا تجد طريقها إلى بعض الأوساط الطلابية والدعوية في لبنان. غير أن التشكّل الفعلي بدأ أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات.

لم تولد “الجماعة الإسلامية” في لبنان كتنظيم سياسي يسعى إلى الحضور في البرلمان، بل بدأت كتيار دعوي صغير في الخمسينيات والستينيات، متأثر مباشرة بفكر “الإخوان المسلمين في تلك اللحظة، وجد عدد من الشباب المتدينين في “الفكر الإخواني” إطاراً فكرياً وتنظيمياً أكثر حداثة من العمل الديني التقليدي، فانبثقت “حركة الإخوان المسلمين في لبنان”، بالتوازي مع جمعية “عباد الرحمن” التي لعبت دور الواجهة الاجتماعية والدعوية في بيروت وطرابلس وصيدا.

يومها كان المشهد السنّي اللبناني يتوزع بين زعامات تقليدية وشخصيات دينية، فيما كانت موجة “الإسلام السياسي” تصعد في العالم العربي.

كانت تلك المرحلة أقرب إلى العمل الثقافي ـ التربوي منه إلى التنظيم السياسي، قبل أن تتبلور “الجماعة الإسلامية” ككيان موحَّد في عام 1964 بقيادة خلية مؤسِّسة ضمّت الداعية فتحي يكن، الذي سيصبح لاحقاً أحد أبرز رموز الحركة الإسلامية في لبنان والعالم العربي.

وقد تحوّلت “الجماعة الإسلامية إلى مؤسسة تمتلك مدارس وجمعيات ومراكز دعوية. تطوّر التنظيم ليصبح لاعباً ثابتاً، وإن بوزن محدود مقارنة بالقوى السنية الكبرى.

عقيدة ومرجعية.. بين “الإخوان” والخصوصية اللبنانية

ظلت “الجماعة الإسلامية” وفيّة للمرجعية “الإخوانية” في فهمها للإسلام كمنهج شامل للدولة والمجتمع، وفي دعوتها التدريجية للإصلاح. لكنها اضطرت، بحكم البيئة اللبنانية، إلى تطوير خطاب أكثر مرونة تجاه التعدّد الطائفي. فتبنّت مقاربة إصلاحية تركّز على التربية والعمل الاجتماعي والعمل السياسي التدريجي، مع احتفاظها بصلتها العقائدية والتنظيمية التاريخية بحركة “الإخوان المسلمين”.

مرحلة السلاح: “المجاهدون” في الحرب اللبنانية، و”الفجر” ضد الاحتلال

مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، لم تستطع “الجماعة” أن تبقى خارج دوامة السلاح. فأنشأت وحدات قتالية حملت اسم “المجاهدون”، شاركت بشكل محدود في خطوط التماس، وتركّز دورها في حماية المناطق ذات الثقل الإسلامي السنّي، خصوصاً في بيروت وصيدا وطرابلس.

لكن انتقال “الجماعة” النوعي نحو العمل العسكري ظهر بعد الاجتياح الإسرائيلي في 1982. إذ أسست قوات “الفجر”، وهي جناح مقاوم شنّ عمليات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب وإقليم الخروب وصيدا، واستمر نشاطه سنوات طويلة بالتنسيق أحياناً مع فصائل فلسطينية، ولاحقاً “المقاومة الإسلامية” بقيادة “حزب الله”.

من الشارع إلى صندوق الاقتراع.. والسياسة

رغم جذورها الدعوية ومشاركتها العسكرية، دخلت “الجماعة” مبكراً إلى العمل السياسي المنظّم. ففي انتخابات 1992 النيابية، وهي الأولى بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية، خاضت “الجماعة” المعركة مباشرة، وتمكنت من إيصال نائبين إلى البرلمان في دورات متعاقبة عبر تحالفات مختلفة. كما حضّرت ماكينة سياسية ـ اجتماعية مكّنتها من حضور ملحوظ في الانتخابات البلدية، خصوصاً في طرابلس وعكار والضنية والمنية وصيدا وإقليم الخروب والبقاع الغربي.

ظل تأثيرها الشعبي متذبذباً؛ فهو قوي في البيئات السنّية المتديّنة، لكنه محدود في الساحات ذات الولاءات السياسية التقليدية. ومع ذلك، استطاعت الحفاظ على كتلة اجتماعية تعتبرها “الممثل الإسلامي المحافظ” داخل الساحة السنّية.

لكن قوة “الجماعة الإسلامية” الحقيقية لم تكن يوماً في البرلمان، بل في شبكة المؤسسات التي بنتها: مدارس، جمعيات خيرية، مراكز ثقافية، ونشاطات شبابية. في مناطق مثل طرابلس، الضنية، عكار، وصيدا، تحوّلت هذه المؤسسات إلى جزء من الحياة اليومية، وهو ما منح الجماعة حضوراً شعبياً مستقراً رغم تقلّبات السياسة.
لم تكن علاقة “الجماعة” مع القوى اللبنانية ثابتة. اقتربت أحياناً من تيار “المستقبل”، ثم ابتعدت عنه في مراحل أخرى، وخصوصاً عندما تبدّلت التحالفات الإقليمية.

ومع “حزب الله”، سارت العلاقة على خطّين: تعاون ميداني محدود في الجنوب خلال الثمانينيات والتسعينيات، يقابله تباعد فكري وسياسي، خصوصاً بعد تعمّق الانقسام المذهبي في المنطقة. ومع القوى السلفية في طرابلس، بقيت العلاقة بين التنافس والتقارب، إذ تشترك معها في بعض الأوساط الشعبية، لكنها تختلف معها فكرياً وتنظيمياً.

هذا التموضع المتوازن مكّنها من البقاء لاعباً مقبولاً لدى عدّة أطراف، لكنه حدّ في الوقت نفسه من قدرتها على توسيع حضورها السياسي.

في الداخل التنظيمي، حافظت “الجماعة” على بنية تشبه “الإخوان المسلمين”: مكتب سياسي، مجلس شورى، جهاز دعوي، وأذرع اجتماعية. لكن خصوصية التعددية اللبنانية دفعتها إلى تنويع خطابها، والابتعاد عن الصيغ العقائدية الصلبة التي تميّز “الإخوان” في بعض دول المنطقة. لذلك بقيت أقرب إلى تيار دعوي معتدل، مع هامش سياسي مرن يتيح لها الدخول في التحالفات أو الابتعاد عنها وفق المتغيرات.

حضورها الشعبي، رغم تقلّبه، ظل قائماً. يعود ذلك إلى شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية والتعليمية والدعوية، وإلى قدرتها على التفاعل مع البيئات المحافظة في المناطق السنية. لكن الصعود السلفي من جهة، وتراجع الإسلام السياسي بعد 2014 من جهة أخرى، أضعفا دورها في الشارع، رغم استمرارها في الانتخابات ومحاولاتها تجديد خطابها.

العلاقات اللبنانية والعربية.. مقاربة حذرة

بقيت علاقة “الجماعة الإسلامية” بالقوى اللبنانية رهينة لحسابات دقيقة. ففي حين حافظت على قناة تواصل مفتوحة مع تيار “المستقبل” لسنوات طويلة، أبقت مسافة محسوبة مع “حزب الله” رغم التقاطع في ملف المقاومة ضد “إسرائيل”. أما عربياً، فكان تقاربها الأكبر مع قطر، وكذلك مع تركيا وبعض الدوائر القريبة من “الإخوان المسلمين”، مع مراعاة “خطوط حمرا” حتى لا تصطدم بالمرجعيات العربية التقليدية.

تبدو “الجماعة الإسلامية” اليوم أمام تحدٍّ واضح: كيف تجمع بين “رأسمالها” التاريخي وبين واقع لبناني متحوّل، لا يشبه زمن صعود الإسلام السياسي؟ الإجابة ليست نهائية، لكن المؤكد أن “الجماعة”، رغم ضعفها النسبي، ما تزال إحدى أكثر التنظيمات الإسلامية رسوخاً في لبنان، تمتلك تاريخاً عميقاً وتبحث عن دور جديد يناسب مرحلة لم تعد تشبه أيام بداياتها.

تحاول “الجماعة الإسلامية” اليوم استعادة حضورها، في ظل تحوّلات لبنانية وإقليمية كبرى. وعلى الرغم من محدودية قوتها مقارنة بالعقود السابقة، فإنها لا تزال تمثّل امتداداً لبنانياً لخط فكري ـ سياسي عابر للحدود، وتعبّر عن شريحة اجتماعية محافظة تبحث عن تمثيل سياسي من خارج الاصطفافات التقليدية. هي جماعة تكيّفت مع الحرب كما مع السلم، وتنقلت بين السلاح وصندوق الاقتراع، من دون أن تتخلى عن رايتها الإسلامية الأولى.

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” عبر “واتساب”، إضغط على الرابط 

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img