السبت, ديسمبر 6, 2025
spot_img
spot_img
spot_img

سرّ الخفافيش!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

منذ القدم، ارتبطت الخفافيش في المخيلة الشعبية بالعتمة والرعب والموت، وازدادت هذه الصورة قتامة في العقود الأخيرة بعدما اتُهمت بأنها “المضيف الخارق للفيروسات” المسؤولة عن أوبئة قاتلة مثل إيبولا وماربورغ ونيباه وسارس وميرس وحتى كوفيد-19.

لكنّ الحقيقة العلمية، كما تكشفها الأبحاث الحديثة، أكثر دهشة مما تصوّره القصص. تقول الدكتورة كارا بروك، أستاذة علم الأحياء التكاملية في جامعة كاليفورنيا، إن “الخفافيش لا تكتفي باستضافة فيروسات قاتلة، بل تمتلك قدرة مذهلة على حملها دون أن تمرض”، مؤكدة أن “كهوف الخفافيش ليست مليئة بجثث مصابة، بل بكائنات متكيفة ببراعة مع عالم الفيروسات”.

ويفسّر العلماء ذلك بأن هذه المخلوقات خاضت سباقًا تطوريًا طويلًا مكّن جهازها المناعي من التوازن الدقيق بين الدفاع والهدوء، إذ تتميز الخفافيش باستجابة التهابية منخفضة تمنع جهازها المناعي من المبالغة في التفاعل مع العدوى. وبهذا، تتعايش مع الفيروسات دون أن تدمّر خلاياها، على عكس الإنسان الذي قد يقتله فرط التفاعل المناعي.

ويرى الباحثون أن هذا التوازن يمنح الخفافيش ميزة فريدة: فهي تقلل من كمية الفيروسات في أجسامها دون القضاء عليها بالكامل، مما يسمح بتعايش سلمي طويل الأمد. لكنّ هذه القدرة تجعل الفيروسات أكثر خطورة حين تنتقل إلى مضيفين آخرين – مثل البشر – لأنّها تكون قد طوّرت نفسها لتتكيف وتتحوّر.

وللخفافيش أيضًا خصوصية تشريحية تجعلها استثنائية في عالم الثدييات، فهي الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران الحقيقي. أجنحتها في الأصل أذرع وأيدٍ معدلة، تمتد فيها العظام لتشكل هيكلًا مغطى بغشاء جلدي رقيق، يسمح لها بخفق أجنحتها أكثر من 17 مرة في الثانية لدى بعض الأنواع. هذه الطاقة الهائلة ترفع من معدّل الأيض لديها إلى 15 ضعفًا أثناء الطيران، ما يفرض ضغطًا كبيرًا على أجسامها، لكنه أيضًا ساهم – وفق العلماء – في تطوير نظام مناعي أكثر كفاءة واستقرارًا.

وبينما تستمر الخفافيش في الطيران بحرية داخل كهوفها، تبقى لغزًا بيولوجيًا يثير إعجاب العلماء: كيف تحوّلت من رمز للرعب إلى مفتاح لفهم أعمق لأنظمة المناعة الطبيعية ومقاومة الفيروسات الفتاكة.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img