| جورج علم |
لا بدّ من يافطات ترحيب تليق بضيوف لبنان. ولبنان بلد مضياف…
لا بدّ من يافطة تليق بمقام البابا ليون الرابع عشر.
يأتي ليتفقد “وثيقة السينودس من أجل لبنان”، ويطرح سؤالاً على المعنيين: أين هي؟ ماذا فعلتم بها؟ وماذا طبّق منها؟
يزور لبنان، في محاولة ليطهّر “الهيكل” من الكتبة والفرّسيّين، بعدما أخذ علماً بأن بعض أهله قد حوّله إلى مغارة للصوص!
ليس بحاجة إلى مراوغة السياسي الفاسد، والمسؤول المتملّق.
لا يأتي ليسمع ثرثرة الكلام، عند أولياء المقام. سفارته في بيروت لا تقصّر. جادة، ومتفانية. وتضبط بدقة عصب الحياة السياسيّة، والإقتصاديّة، والإجتماعيّة، والثقافيّة، والتربويّة عند مختلف الجمهوريات الطائفيّة ـ الفئويّة.
لا يأتي ليعاين الرفاهيّة التي ينعم بها غالبيّة “الجيش الأسود”، على حساب بيئة بائسة، مأزومة، محبطة، تعاني من تكاليف الحياة الصعبة.
يأتي ليطرح سؤالاً بسيطاً: أين أنتم من السينودس؟ ولماذا لم يطبّق؟
يأتي ليحاكي جيل الشباب. ليقف على همومه. ويستمع إلى مآخذه، وملاحظاته، وتطلعاته.
يافطة الترحيب، تخطّها عزيمة الشباب. وعنوانها واضح: المطلوب إنتفاضة إصلاحيّة، في الدولة، والكنيسة.
ثمّة يافطة أخرى تستحوذ على إهتمام السلطة. كيف ستستقبل بيروت سفير الولايات المتحدة الجديد، اللبناني الأصل، ميشال عيسى؟
زميله توم برّاك إختار العبارة، وإختصرها: “المفاوضات المباشرة”.
وللتوضيح، قال: “ليمسك جوزاف عون بسماعة الهاتف، ويتصل ببنيامين نتنياهو، وعندها تعالج المشاكل المطروحة”!
لم يكتف بهذا الخطاب المروّس، بل بادر إلى التهديد، قال: “أمام الجيش اللبناني مهلة تنتهي مع نهاية هذا الشهر، فإما يحصر سلاح حزب الله في الجنوب، وإلاّ اللجوء إلى الخيارات الأخرى”.
لماذا نهاية هذا الشهر؟
هناك أجوبة أميركيّة ثلاثة:
الأول ـ إن رئيس الكنيسة الكاثوليكيّة البابا ليون ـ الأميركيّ الأصل ـ سيزور لبنان نهاية هذا الشهر. وهناك قرار كبير على مستوى إدارة الرئيس دونالد ترامب، بأن تتمّ وسط ظروف أمنيّة مستقرّة، خصوصاً أن هناك في وسط هذه الإدارة من يؤمن بالعقيدة الكاثوليكيّة، ويدفع في هذا الإتجاه، ويأتي في الطليعة نائب الرئيس جي. دي. فانس، ووزير الخارجيّة ماركو روبيو.
الثاني ـ إن هذا الشهر مكرّس للمساعي الدبلوماسيّة الدوليّة الناشطة، بهدف تحقيق توافق عام حول المفاوضات بين لبنان و”إسرائيل”.
• حول شكلها: وهل تكون مباشرة أو غير مباشرة؟ وهل ستكون من خلال لجنة “الميكانيزم”، أم وفق “الدبلوماسيّة الأميركيّة المكوكيّة” ما بين بيروت وتل أبيب، كتلك التي خاضها الأميركي آموس هوكشتاين، وأدّت إلى ترسيم الحدود البحريّة؟ أم في غرفة واحدة، وحول طاولة، وجها لوجه، ويتوسطها الراعي الأميركي؟!
• حول سقفها وأهدافها؟ ومعرفة ما هو المنتظر والمرجو منها؟ وهل من توافق حول جدول الأعمال، لمعرفة ما هي الأهداف المطلوب تحقيقها على أرض الواقع؟ وهل يقبل لبنان بمفاوضات معلّبة تحمل في جعبتها بنكاً من الأهداف لا يريدها، ولا مصلحة له التوغّل في شعابها؟
الثالث ـ هناك تباينات عميقة في النظرة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة إلى لبنان.
توافق الإدارة الأميركيّة نتنياهو في السياسة التي تنتهجها حكومته ضد “حزب الله”، وسلاحه، ولكنها تبدو متباعدة جدّاً حول “أيّ لبنان”؟ ذلك أن واشنطن مع سلامة الأراضي اللبنانيّة، ومع قيام الدولة القويّة، القادرة على فرض السيادة الوطنيّة على كامل التراب اللبناني. وطبعاً هي مع حصريّة السلاح، وأيضاً حصريّة قرار الحرب والسلم، وأن يكون حكراً على السلطة وحدها من دون أيّ شريك.
في حين أن “إسرئيل” يهمّها ان يكون لبنان حجر الزاوية في مشروع “إسرائيل الكبرى”، وبهذا المعنى لا يهمّها إستقراره وإزدهاره، ولا وحدة أرضه وشعبه. وهي ـ ولغاية الآن ـ لم تنطق بكلمة حوار.
ويرى المتطرّفون بحكومة نتنياهو، أن لا مصلحة في فتح بابه، طالما أنها مستمرة في الإعتداء والتدمير لفرض أمر واقع بالحديد والنار، وطالما أن “حزب الله” يوفّر لها الحجة والذريعة، من خلال الإصرار على التمسّك بالسلاح، والإعلان عن إعادة بناء هيكليته العسكريّة والتنظيميّة.
ويزداد منسوب التحفّظ وسط البيئة الترومبيّة من الدور الإسرائيلي في غزّة، والهادف إلى تفخيخ خطّة الرئيس الأميركي، وتجويفها من الداخل، للإطاحة بها.
وضمن هذا الإطار يتساءل أكثر من نائب أميركي ديمقراطي: هل من مصلحة “إسرائيل” أن تفقد كل ما حققته بغزّة، لضمان نجاح خطة ترامب حول مستقبل القطاع؟ وبالمقابل، أي مصلحة أن تبسط الولايات المتحدة يدها أمام “إسرائيل” لتحققّ ما تريده من لبنان بفعل سياسة الأرض المحروقة، في الوقت الذي تحاول فيه حكومة نتنياهو إحراق الأصابع الأميركيّة في غزّة؟
يستنتج من ذلك:
أولاً: هناك تفاهم أميركي ـ إسرائيلي حول إضعاف نفوذ “حزب الله”، وحصر سلاحه، ولكن ليس من تفاهم حول أي لبنان ؟ وأي دور، ووظيفة؟
ثانياً: إن إدارة ترامب أبلغت نتنياهو، وفريق عمله، بأن لا إجتياح للبنان، ولا عدوان عسكري كبير خلال هذا الشهر، وأن الفرصة متاحة أمام النشاط الدبلوماسي للتفاهم على يافطة الحوار، وعنوانها، والأبعاد التي يرمي إليها.
وطالما أن الإنهماك منصبّ الآن على تحضير يافطات الترحيب بضيوف لبنان، فالأجدى إنتظار الزوّار، وظروف لبنان الداخليّة المواكبة، وإنتظار النتائج، لتجنّب الأدهى، في ظلّ شبه إجماع على أن “ما بعد الزيارة، سيكون مختلفا عمّا قبلها”.














