الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةسياسة"ساركوزيّو" الداخل.. في حمى "اللبنانان"!

“ساركوزيّو” الداخل.. في حمى “اللبنانان”!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

عندما تبلغ الأزمة مبلغ الخطر المصيري، تنكشف حكماً سياسة التكاذب، ويبطل مفعول الشعارات الشعبويّة.

أزمة لبنان، في العمق، هي أزمة أي لبنان يريد زعماء الطوائف، وقادة الأحزاب الميليشيويّة؟

البعض يريد “لبنان الأرزة”، و”مرقد العنزة”، و”صحن الكبّة”، و”التبولة”، و”كاس العرق”. البعض الآخر يريده لبنان “البزنيس”: مرفأ، ومطار، وإستثمار، وقطاع مصرفي، ومالي، وواجهة سياحيّة. البعض الثالث يريده صاروخ، ومدفع، وجبهة مفتوحة خدمة لأغراض خارجيّة معلبّة بشعارات تعبوّية.

هذا الخلاف العميق الجذور حول أي لبنان تريد الطوائف، والميليشيات، والفئويات، هو الذي فتك بخلايا المناعة الوطنيّة، وأفقد لبنان وظيفته، ومرتكزاته الصلبة، وجوّف مؤسساته من حيوياتها النشطة، وتركها مشلولة، عاجزة عند رصيف التحولات الكبرى في المنطقة.

كان الرئيس صائب سلام، رحمه الله، يقول: “لبنان الواحد، لا لبنانان”. فيما واقع الحال يقول بـ”لبنان الدولة، ولبنان الدويلة”. و”لبنان هونغ كونغ، ولبنان هانوي”. و”لبنان السيادة، ولبنان الإرتهان”، إلى آخر المعزوفة المعروفة…

وشكّلت هذه البيئة الخصبة الغنيّة بالإزدواجيات، والخلافات حول واقع لبنان، ودوره، ووظيفته العربيّة ـ الشرق أوسطيّة ـ العالميّة، عنصراً مغريّاً جاذباً للعدو الإسرائيلي، كي يتدخل، ويعتدي، ويقصف، ويدمّر، ويغتال، ويمضي قدماً في تنفيذ مشروعه نحو “إسرائيل الكبرى”، على حساب لبنان واللبنانييّن، والعرب، ودولهم، ومصالحهم، وفلسطين، والقضيّة الفلسطينيّة، والحقوق المشروعة!

ويزداد “التوحّش” الإسرائيلي فظاظة نتيجة الدعم الأميركي المطلق، والذي يضخّ في الشرايين الإسرائيلية ما يكفي من عيّنات الدم، والأمصال، والمقويات، كي يتمكّن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من تحقيق مشاريعه التوسعيّة ـ التوراتيّة، بالحديد، والنار.

وإنطلاقاً من هذا الواقع الصعب، المفخّخ بألف لغم، ولغم، تزداد ثقافة “التوحّش” في الداخل، ودائماً من منطلقات فئويّة، فيما تحاول الدولة أن تكون في مكان لم يُترك لها ولا حتى موضع قدم.

قالت بمحاربة الفساد، فيما مظلّته لا تزال وارفة، وتزداد نفوذاً وإتساعاً. قالت بالقضاء الفاعل والعادل، لكن لم يرَ المواطنون “ساركوزي لبناني” واحد قد دخل السجن، رغم كثرة “الساركوزيّين” في الوطن المنهوب، والمغلوب على أمره. قالت بالإصلاح المالي، والإداري، والمصرفي، لكن مصير الودائع لا يزال مجهولاً. وبإستثناء حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي أفرج عنه مؤخراً، لم يرَ اللبنانيّون مدير مصرف، أو مرابي، قد دخل السجن، رغم أن المصارف التي هرّبت أموال المودعين، والمبالغ التي هُرّبت، وأسماء أصحابها، باتت معروفة من قبل الحكومة، وسائر المؤسسات الرسميّة المعنيّة، وحتى الآن “صفر محاسبة”، لا كلام، ولا مساءلة، ولا ملاحقة، ولا إجراء يلزم الذين هرّبوا أموالهم من إستعادتها إلى القطاع المصرفي، بهدف إدخال حيويّة ماليّة (تقدّر بـ12 مليار دولار) إلى شرايين الإقتصادية التي تعاني من جفاف السيولة!

لماذا لم يحرّك الرئيس نوّاف سلام، وحكومته هذا الملف، وفق ما تقتضي مصلحة البلاد العليا، ماليّاً وإقتصاديّاً؟

الخبر اليقين عنده. لكن هناك من بدأ يقول في السرّ والعلن، أن غالبيّة الأعضاء في حكومته، هم من المنتسبين ماديّاً ومعنويّاً إلى “المافيا” التي أقفلت أبواب المصارف في العام 2019، وهرّبت الأموال!

وفي ذروة هذا الإنشغال النشط في تجويف الوطن، وتفريغه، ثمّة حقائق فرضت نفسها على أرض الواقع:

أولاً: إن الدولة عاجزة عن تنفيذ قرار “حصر السلاح”. لا هي قادرة عن طريق القوّة، لأن المواجهة ستؤدي إلى حرب أهليّة، وربما إلى تداعيات سلبية على وحدة المؤسسة العسكريّة. ولا هي قادرة عن طريق الحوار، وقد أثبتت المحاولات المتلاحقة فشلها لغاية الآن.

ثانياً: إن “حزب الله” يرفض تسليم سلاحه. القرار ليس عنده، بل عند المرجعيّة الإيرانيّة. وهذه تريد أن تستثمر “هذه الورقة الرابحة” جيداً في أي مفاوضات متكافئة، تريدها، وتسعى إليها مع الولايات المتحدة.

ويستفيد “الحزب” من الظرف القائم، للإستثمار في الداخل، من خلال التهويل بسلاحه. يريد “شرعنته” لضمان إستمراريته. ويريد الحصول على “كوتا” حرزانة من “كعكة” النظام بحجّة أنه يمثّل الطائفة الأكثر حضوراً ونفوذاً في تركيبة النظام السياسي الطائفي في لبنان.

ثالثاً: يتمنّى العدو الإسرائيلي أن لا يسلّم الحزب سلاحه، كي يتّخذ منه حجّة لمضاعفة إعتداءاته – كما هو حاصل الآن ـ ويمضي قدماً في تنفيذ مشروعه بالحديد والنار، لترسيم حدود “الامبرطوريّة الإسرائيليّة”، أو “إسرائيل الكبرى” كما ينادي نتنياهو متذرّعاً بـ”إلهامات روحانيّة”!

وبناء على ما تقدم، يرفض نتنياهو أي حوار مع لبنان، سواء أكان مباشراً، أو غير مباشر، طالما أن الأبواب اللبنانيّة مشرّعة أمام آلته الحربيّة، جوّاً وبرّاً وبحراً، وطالما أنه يدّعي التفوّق والغلبة، وطالما أن الإدارة الأميركيّة توفّر له كامل مستلزمات الدعم والمؤازرة لتنفيذ مشروعه، وطالما أنه أبلغ الموفد الأميركي توم برّاك نقل رسالة واضحة العناوين إلى بيروت، إنه يريد أن يفرض أمراً واقعاً على لبنان، طالما أن “حزب الله” يوفّر له الحجة، وطالما أن الحكومة عاجزة عن تنفيذ قرار حصرية السلاح.

رابعاً: إن الدولة ـ وحتى إشعار آخر ـ غير قادرة على فرض قراراتها السياديّة عن طريق القوّة. فيما الأحزاب الميليشيويّة لا مصلحة لها في قيام دولة قوية قادرة وعادلة، كون قيامها سيكون على حساب إمتيازاتها، وحصصها، ومحاصصاتها. وأمام هذا الواقع تعوّل بيروت على الإدارة الأميركيّة كي تساعد على تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار، وتنفيذ القرار 1701، وترسيم الحدود البريّة، والعودة إلى إتفاقيّة الهدنة. في حين أن هذه الإدارة، وبلسان توم برّاك، تقول صراحة: “تفاهموا مع نتنياهو”!

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” على “واتس اب” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_cop

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img