| جورج علم |
تجمّع المدعوون في مطار شرم الشيخ، أقلعت الطائرة الأميركيّة بقيادة “الكابتن” دونالد ترامب نحو “اليوم التالي” في غزّة. المدرج مفخخّ، ومليء بالحفر والمطبّات، تحاول ورش الطوارىء مدّه بإسلفت الوعود التنظيريّة، لعلّ الهبوط يكون آمناً، وينجو مَن على متن الرحلة من إعصار إسرائيلي مباغت يطيح بكل ما بني على ورق!
ويبقى الإنجاز شبه المؤكد، أن تحتفل “إسرائيل” بعودة الأسرى، وأن يعرف بنيامين نتنياهو كيف يستغل “المناسبة”، ويستثمرها، لإحكام قبضته على السلطة في الداخل، ويواجه معارضة ليس من أثر لأنيابها القاطعة سوى في بعض وسائل الإعلام.
ويبقى السؤال: ماذا عن مصير “الرهائن” الآخرين في خطة ترامب؟ ماذا عن لبنان؟ عن سوريا؟ عن العراق وإيران؟ عن اليمن السعيد؟ عن المحور الممانع الذي يرفع شارات النصر، وهو المضرّج بالدماء؟
قالها على عجل، وهو يرتبّ أوراقه قبل أن يصعد سلّم الطائرة متوجّها إلى تل أبيب وشرم الشيخ “هناك نتوءات صغيرة لا بدّ من معالجتها، لكن الأولويّة الآن لغزّة”.
يقع لبنان جغرافيّاً وسط “أرخبيل” هذه “النتوءات”. وإمكاناته لا تسمح بالصمود طويلاً في مواجهة الأمواج الإسرائيليّة ـ الأميركيّة ـ الإيرانيّة المتلاطمة من حوله. وضع كامل رصيده في السلّة الأميركيّة. قَبِل بوساطة آموس هوكشتاين. وافق على هندسته لإتفاق وقف إطلاق النار. إلتزم بتعهداته. راهن على دور أميركي رادع يلزم “إسرائيل” بتنفيذ ما تعهّدت به، وفق الإتفاق، إلى أن جاء توم برّاك ليعلن تنصّل إدارته من أي إلتزام، ويرسم مساراً جديداً من عناوينه: “نفّذوا ما تعهدتم به في خطاب القسم، والبيان الوزاري. وإذهبوا إلى حوار مع إسرائيل للتفاهم على مواصفات اليوم التالي في الجنوب، وعموم لبنان”!
قال ذلك، وسط صيحات الإستهجان، لكن من خلف القضبان. الوطن رهينة، خطفته إيران في الثامن من تشرين الأول 2023، وزجّت به في “حرب الإسناد”، دعماً لـ”حماس” بعد “طوفان الأقصى”، وخطفته “إسرائيل” من “حرب الإسناد” إلى “حرب الخراب والدمار والإغتيالات”، ثم جاءت الولايات المتحدة لتخطفه نحو “حروب التطبيع”!
المفارقة أن “رهائن حماس” إلى الحريّة، فيما “لبنان ـ الرهينة” نحو المزيد من الأصفاد. الإيراني لا يتخلّى عن “حزب الله”، و”حزب الله” لا يتخلّى عن سلاحه، والقرار ليس عنده، بل عند “الحرس الثوري”، والأخير لا يفرّط بهذه الورقة التي يعتبرها حيويّة، إلاّ إذا توصّل إلى “صفقة متكاملة” مع الولايات المتحدة. فيما يستغل الإسرائيلي الظرف، ويتخذ من سلاح الحزب ذريعة كي يواصل إعتداءاته، ويفرض على لبنان “حرب التطبيع”، وفق المسار الذي رسمه توم برّاك في تصريحاته حول مواصفات إدارته لـ”اليوم التالي”!
أخذ “حزب الله” اللبنانيّين إلى الروشة، لكن الإنتحار لم يحصل، وكان الله بعون اللبنانيّين، إذ أنقذ البلد، ومن تبقى في أفيائه، من فتنة كادت تشعل شرارة الحرب الأهليّة. ثم أخذهم إلى المدينة الرياضيّة ليمارس لعبة شدّ العصب على أبواب الإنتخابات النيابيّة، ولا أحد يستطيع ان يتكهن بمواصفات المشهد الجديد الذي يمعن في التحضير له إعداداً، وإخراجاً. وحجته في ذلك أنه المنتصر! لكن رغم إنتصاره، يحمّل الدولة مسؤوليّة التبعات. يحمّلها مسؤولية التصدّي لـ”إسرائيل”، ومسؤولية إعادة إعمار ما هدمته “حرب الإسناد” في الجنوب، والضاحية، والبقاع. ويحملها مسؤوليّة التصدّي للسياسة الأميركيّة، وقد كان شريكاً فاعلاً مع الأميركي آموس هوكشتاين، إن في إتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع الكيان الإسرائيلي، أو في إتفاق وقف إطلاق النار!
اليوم، وبعدما وضع دونالد ترامب مبادرته حول غزّة في حقيبته الدبلوماسيّة، وراح يطوف بها بمواكبة أكثر من 20 رئيس دولة، ليحطّ على مدرج “اليوم التالي” في القطاع، يرى الحزب ـ وطهران من ورائه ـ أنه أمام معادلة جديدة. لقد سلمّت “حماس” آخر ما تبقى لديها من أسلحة ضاغطة عندما سلّمت الأسرى، ودخلت في لعبة “البازل” الأميركي ـ الإسرائيلي الجديدة. كيف سيتصرّف الحزب؟ هل سيستمر في سياسة الإنكار؟ هل يقدّم كلّ يوم ذريعة لـ”إسرائيل” كي تغتال، وتقصف، وتدمّر، من خلال الإصرار على التمسّك بسلاحه؟ ومتى سيواجهها؟ وهل تسمح له طهران بهذه المواجهة، وهي الملمة جيداً بتقلّبات المنطقة، وشجونها؟!
ويبدو أن أولويّة الحزب في هذه المرحلة ـ أو ما هو متاح له ـ شدّ العصب، وكأن الإنتخابات النيابيّة سوف تجري غداً، إنطلاقاً من مواكب الدرّاجات الناريّة المتجوّلة في شوارع العاصمة، إلى الروشة، إلى المدينة الرياضيّة، وغداً، او بعده، إلى الملعب “البلدي” الواسع، مع “عدّة الشغل الشعبويّة” القائمة على قرقعة السلاح لتعطيل محاولات حصره، وعلى إبقاء نبراس الشهداء مشتعلاً في النفوس والرؤوس.
وتبقى الدولة، الرهينة الأكبر، والأوفر دسماً، المستنزفة على طاولة الشطرنج الأميركيّة ـ الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة. متى يقدم دونالد ترامب على فك أصفاده، كي تخرج إلى الحريّة، وتتنفس الصعداء؟
لا جواب!
وعدت إدارته بدعم الجيش وتسليحه، ورصدت الملايين، لكّنها لم تصل بعد. ويقال إن هناك دفتر شروط لا بدّ من الأخذ به، ومن إقدام الدولة على تطبيقه، مقابل الإفراج عنها.
ووعد ترامب بمعالجة “النتوءات الصغيرة المتبقيّة”، ضمناً لبنان، لكن بعد أن تكون طائرة مبادرته قد حطّت بنجاح منقطع النظير، على مدرج آمن في قطاع غزة وفق مواصفات “اليوم التالي”، طبقا لهندسة المبادرة!
• متى سيصبح مدرج لبنان صالحاً لإستقبال طائرة المبادرة الأميركيّة الإنقاذيّة، وفق هندسة دونالد ترامب بالتنسيق والتشار مع بنيامين نتنياهو؟!
– الجواب ـ مع الأسف ـ ليس في بيروت، ولا حتى في الضاحيّة!














