في مساء كل ثلاثاء، يتحول قلب العاصمة البوسنية سراييفو إلى مساحة للذاكرة والضمير الإنساني، حيث تتردد أسماء أطفال غزة الشهداء في أكثر شوارع المدينة ازدحامًا، بجوار “الشعلة الخالدة” التي ترمز إلى مناهضة الفاشية.
من “نورا وليد عبد السلام شاهين (صفر عام)” إلى “سارة عبد الرحمن محمد حمد (صفر عام)” تتلى الأسماء واحدًا تلو الآخر، في مشهدٍ صامت إلا من صدى الأصوات التي ترفض النسيان.
أسماء أطفال لم يُتح لهم أن يكبروا، لكنها تحيا كل أسبوع على ألسنة من اختاروا أن يكونوا صوتهم في وجه الصمت العالمي.
هؤلاء المواطنون البوسنيون، الذين ذاقوا ويلات الحرب في تسعينيات القرن الماضي، يجتمعون مساء كل ثلاثاء رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بالحرية والعدالة، مردّدين قوائم طويلة من أسماء الأطفال الذين قضوا في ما وصفته لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية في غزة.
يقرأون الأسماء حتى تجف الحناجر، لكنهم لا يتوقفون. فتعاطفهم ليس عابرًا، بل نابع من ذاكرتهم المؤلمة خلال حصار سراييفو بين عامي 1992 و1995، حين فقدت المدينة أكثر من 1600 طفل تحت القصف ونيران القناصة.
وتبقى الذاكرة الجماعية حاضرة في المدينة التي عانت من الحرب، حيث لا تزال شوارعها تذكّر بمحاكمة رادوفان كاراديتش، الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة، الذي حكمت عليه المحكمة الجنائية الدولية بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بارتكاب إبادة جماعية في سريبرينيتسا عام 1995 وجرائم ضد الإنسانية خلال حصار سراييفو.
وفيما تتردد أسماء أطفال غزة في شوارع سراييفو، تتقاطع جراح التاريخ، ويعلو صوت الضمير الإنساني ليقول: العدالة لا تسقط بالتقادم، والذاكرة لا تموت.














