الثلاثاء, ديسمبر 16, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSlider"حرب التجويع".. بين "المطبخ" المقاوم و"كافيه" التطبيع بالشوكولا والبندق!

“حرب التجويع”.. بين “المطبخ” المقاوم و”كافيه” التطبيع بالشوكولا والبندق!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| زينة أرزوني |

فيما يصنع البعض من الفقر “وصفة” للمقاومة، يختار آخرون الترويج لـ”الرفاهية” المزيّفة وسط المجاعة. بين “شيف” تتفنن في صناعة القهوة من الحمّص، ومقهى يُجمّل وجه الحصار بالسكر والبندق، يبقى السؤال: من يُطعم القضية، ومن يُطعّمها بالتطبيع؟

في غزة، كل شيء قابل للتحوّل: العدس يصبح لحماً، الطحين يتحوّل إلى دجاج، والحمص يُغلى في فناجين القهوة. ليس الأمر معجزة، بل وصفة يومية للبقاء على قيد الحياة، في ظل حصار خانق ومجاعة أعلنتها الأمم المتحدة رسميًا. وبينما يُقاوم البعض بالخبز المفقود، يظهر آخرون وهم يرفعون لافتة “ذوق وأمل” فوق واجهة “كافيه نوتيلا”، كأن كل شيء على ما يرام.

مطبخ من الطحين والملح… مقاومة بصوت ناعم

على منصتها الرقمية، لا تصرخ الشيف الأردنية ياسمين ناصر بشعارات سياسية، بل تقدم وصفات “من رحم الأزمة”. بمزيج من الحيلة والبساطة، تحوّلت قناتها إلى مرجع طهي ميداني لأهالي القطاع: كيف تستخرج “شاورما” من العدس؟ كيف تصنع “فرن حلويات” من الرمل والطناجر؟

تتحدث الشيف بلغتين، وتخاطب جمهوراً عالمياً، واضعة الطعام في موقعه الطبيعي: حق لا ترف، ومقاومة لا ترفيه.

ما يميّز ياسمين ليس قدرتها على الطهي، بل وعيها بأن الطبخ يمكن أن يكون لغة ناعمة لمناصرة قضية، ومرآة تعكس الواقع بصدق، لا قناعاً يغطي الوجع.

واللافت أن وصفاتها لم تكن مجرد استعراض. أهل غزة بدأوا يطبّقونها، يصورون النتائج، يضحكون للحظة وسط الموت، ويشاركونها على حسابها. وهكذا، تحوّل “الطبخ” إلى “مطبخ مقاومة”، لا يُقدم طعاماً فاخراً، بل يقدّم رسالة: “نحن جائعون، لكننا لا نموت بصمت”.

الكافيه الذي “قلب الحصار شوكولا”

في مشهد موازٍ، لكن نقيض تماماً، افتُتح مؤخراً ما يُعرف بـ”كافيه نوتيلا” في غزة. ورغم الحصار المطبق، والنقص الحاد في المواد الغذائية، ظهرت صور لمكان مجهّز على الطراز الحديث، يقدّم ما لذّ وطاب من الحلويات الغربية… في وقت لا يجد فيه آلاف الأطفال حليباً أو خبزاً.

يبدو المقهى منسجماً مع رواية “إسرائيلية” لطالما سعت إلى إنكار المجاعة، وترويج فكرة أن الحياة في غزة طبيعية، إن لم تكن “ذواقة” أيضاً، وكأن الأطفال الذين يتغذّون على أوراق الأشجار يحتاجون إلى كافيهات بطعم البندق!

أما العبارات التسويقية المستخدمة جاءت لتعزز هذا خطاب الاحتلال: “غزة تصنع الحياة بطريقتها”، “من وسط الحصار نُضيء شمعة شوكولا”.

وهنا نطرح سؤالاً بسيطاً: من أين جاءت “النوتيلا”؟ وكيف وصلت مكوناتها؟ وهل يدخل السكر إلى غزة بطريقة سرية كما تدخل الأسلحة؟

أم أن هذه الصورة البراقة جزء من فيلم دعائي طويل، بطله شخص لا يشعر بالجوع لأنّه لا يعرفه.

بين التضامن الرقمي والتطبيع البصري

تكشف الحالتان، الشيف والمقهى، وجهين متناقضين لكيفية استخدام المحتوى الرقمي في زمن الحرب:
من جهة، تقف الشيف ناصر كنموذج للتضامن الحقيقي، لا تصنع أوهاماً، بل تقدّم حلولاً بمواد أولية تتوافر تحت الحصار.

من جهة أخرى، يتحول “كافيه نوتيلا” إلى أداة تجميل بصري، ينقل صورة غير واقعية لمجتمع يُباد بشكل ممنهج، ويُستخدم في تسويق فكرة أن الجوع مجرد “خيار غذائي”.

في ظل هذا المشهد، تُصبح الصور الوردية على “إنستغرام” و”تيك توك” خيانة بصرية تجمّل وجه القاتل، وتغسل يديه الملطخة بالدم، بعلبة شوكولا إيطالية.

من يطبخ الرواية في غزة؟

ليست القضية في من يقدّم الطعام، بل في من يطهو الرواية، وكيف تُقدّم للجمهور. فبين محتوى يُظهر الصمود الحقيقي، وآخر يُعلي من شأن رفاهية مزيّفة، تتكشف ملامح المعركة الإعلامية.

والفرق بين وصفة “دجاج الطحين” وفيديو “كافيه نوتيلا” ليس مجرد فرق في المكونات، بل هو تباين صارخ بين من يحاول إحياء الأمل في العتمة، ومن يطمس الحقيقة تحت رشة سكر.

ففي زمن الحرب، حتى الملعقة قد تكون خنجراً، والعلبة المعدنية المغلّفة بالبندق قد تكون طلقة رصاص في صدر الحقيقة.

فاحذروا الملاعق المغطاة بالعسل، فقد تكون مُطعّمة بالدعاية الاسرائيلية التي تتجند لها غالبية الفضائيات العربية.

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img