| جورج علم |
الخيارات المتاحة أمام الحكومة اللبنانيّة ضيقة، وعامل الوقت ضاغط، والإمكانات الوطنيّة غير متوافرة في ظلّ الإنقسام العمودي حول حصريّة السلاح، وتبقى المبادرة عند الأميركي الذي يدعم الإسرائيلي بكل الإمكانات لتنفيذ “مشروع الشرق الأوسط الجديد”، بعد تفكيك الساحات، وإنهاك محور الممانعة.
يتحدّث الناطق الرسمي اللبناني عن أربعة:
• إنسحاب “إسرائيل”.
• وقف إعتداءاتها.
• إطلاق سراح الأسرى.
• تنفيذ القرار 1701.
ويتحدّث الإسرائيلي عن أربعة. سحب سلاح “حزب الله” مقابل:
• وقف العدوان.
• ترتيبات أمنيّة.
• السماح بإعادة إعمار ما هدّمته، ولكن وفق دفتر شروط.
• فتح صفحة جديدة في العلاقات.
ويحدثنا الأميركي عن مشروع دونالد ترامب الإنمائي على طول الشريط الحدودي بين لبنان و”إسرائيل”، وعن دعم مشروط للجيش اللبناني.. “لكل خطوة، نعلة”.
وافق لبنان الرسمي، وبشقّ النفس، على الورقة الأميركيّة، لكن “إسرائيل” رفضت، وإشترطت. فيما بدا الأميركي مستسلماً منصاعاً، في الوقت الذي كان يفترض به أن يتحرّك، وينتفض، ويبادر إلى وضع ما جاء في ورقته موضع التنفيذ، وبالقوّة إذا إقتضى الأمر، لكنه بدا مستجيباً لإملاءات نتنياهو الإعتراضيّة.
ربما يسهم الموفد الأميركي توم برّاك، بعد زيارته الأخيرة “المستفزّة”، في حمل المسؤولين على إدخال تعديل على جدول أعمال الحكومة اللبنانيّة. ربما. ذلك أن لبنان الرسمي ليس مضطراً للذهاب نحو حرب أهليّة. ليس مضطراً أن يطلب من قيادة الجيش إنفاذ خطة حصر السلاح قبل نهاية آب. ليس مضطراً أن يجتمع مجلس الوزراء في الثاني من أيلول لإقرار الخطة، إذا لم تبادر “إسرائيل” إلى وقف إعتداءاتها، والمباشرة بالإنسحاب من النقاط التي إحتلتها، وإطلاق سراح الأسرى، والعمل الجاد على تطبيق القرار 1701.
وحتى لو أقدم لبنان الرسمي على معالجة وحدته الوطنيّة المترهّلة، بخطوات واعية، مدروسة، فإن القطار قد فاته، نظراً للضغوط الخارجيّة التي تحاصره من كل حدب وصوب.
الأميركي هنا، وعلى الأرض، يريد تنفيذ أجندته ـ المجهولة الأهداف ـ المرقّطة بشعارات برّاقة خاوية من أي ثقة، أو مصداقيّة، كونه سمسار مراوغ، ومصالحه فوق أي إعتبار، حتى لو غرق لبنان بحروب، ونزاعات، وفتن.
الإيراني هنا، ضدّ “حصريّة السلاح”، وضد الدولة، ومشاريعها الهادفة إلى أن تكون دولة قويّة، وقادرة، تمتلك قرار الحرب والسلم. يريد الإيراني لبنان ورقة تفاوضيّة مع الأميركي والأوروبي، لدعم نظامه، وتحقيق مصالحه. يطلب من “الحزب” التشبث بسلاحه، لكي يبقى لبنان عالقاً ما بين الدولة والدويلة حتى إشعار آخر.
والإسرائيلي هنا، بحديده، وناره، وتفوّقه الحربي والتكنولوجي. ليس لديه ورقة تفاوضيّة. هدفه إستغلال الدعم الأميركي بكل أبعاده، ومفاعيله، لتحقيق حلمه التوراتي: “إسرائيل الكبرى”، وتغيير الخرائط، وإستباحة الحدود وسيادات الدول، بالقوة، وسط العجز الأممي، والتغاضي الدولي.
وما يجري في سوريا، يترك ظلالاً كثيفة داكنة حول الواقع اللبناني.
ما يجري، عودة لتلازم المسارين، والمصيرين.
في سوريا إحتلال إسرائيلي متمادي، ومفاوضات حول إتفاق أمني لم تستقر عناوينه، ولم تتضح معالمه بعد. ومفاوض أميركي إسمه توم برّاك يعمل بتفان وإخلاص لدى الإدارة الأميركيّة لتحقيق المطامع الإسرائيلية في العمق السوري. يقابل ذلك وضع داخلي غير مستقر، وخيارات صعبة ما بين التفتيت، ووحدة التراب. وأحداث، وتحديات يوميّة. على الرغم من أن الراعي السعودي أكثر حضوراً وفعاليّة على الساحة السوريّة، وعلى تنسيق مستمر مع الأميركي حول الواقع والمرتجى.
وتبقى أسئلة ثلاثة، تتحكّم بمسار ومصير الواقع اللبناني، وسط العربدة الضاربة أطنابها حول حصرية السلاح:
الأول: إذا ذهبت سوريا نحو التفتيت، هل يسلم لبنان “الفسيفسائي المتصدّع”؟
الثاني: إذا ذهبت سوريا نحو إتفاق أمني، وتطبيع مع “إسرائيل”، هل يرفض لبنان، ويصمد، في ظلّ غياب مقومات الصمود، وأبرزها الوحدة الوطنيّة المتصدّعة حول حصريّة السلاح؟
الثالث: إذا كرّس الإسرائيلي إحتلاله لأراض سورية، وفقا لإتفاق أمني، او أيّ “صفقة” يسعى إليها الأميركي، هل يتمكّن اللبناني من أن يشذّ عن هذه القاعدة، علماً بأن الذين يتغنّون بالسلاح دفاعاً عن لبنان، يشعرون بقرارة نفوسهم، أن هذا السلاح إستخدمته “إسرائيل” كحجة وذريعة ـ ولا تزال ـ لإيصال لبنان إلى ما وصل اليه… وربما نحو الأسواء؟!
خلاصة القول: كما في سوريا، وكذلك في لبنان، طالما أن الأميركي والإسرائيلي يتحكّمان بمسار ومصير البلدين.














