| حيدر خليل |
لم يكن ما صدر عن الموفد الأميركي توم براك في قصر بعبدا مجرد زلة أو سوء تعبير؛ بل كان صفعة متعمدة في وجه كل صحافي لبناني، وكل مواطن يرفض أن يُهان في عقر داره. حين شبّه الصحافيين اللبنانيين بـ”الحيوانات”، فإنه كشف عن عقلية استعمارية متجذّرة، ترى في لبنان مجرد ساحة ملحقة بالقرار الأميركي، لا دولة تستحق الاحترام.
هذه ليست سقطة لغوية، بل فضيحة سياسية وأخلاقية. من يتجرأ على إهانة الصحافة في قلب القصر الجمهوري، يفضح ليس فقط استعلاء واشنطن، بل أيضًا حجم الاستخفاف بمؤسساتنا الرسمية. أما الصمت اللبناني، فكان هو الخيانة الثانية. كرامة اللبنانيين رُميت أرضًا ولم يُحرّك أحد ساكنًا.
أميركا التي تملأ الدنيا خطبًا عن “حرية الصحافة” و”كرامة الإعلاميين”، تكشف اليوم وجهها الحقيقي في بيروت: ازدراء، واحتقار، ولغة استعلاء. هي الإدارة نفسها التي تفرض عقوبات بحجة الدفاع عن الحقوق، بينما ممثلوها يطأون بأقدامهم على حرية الكلمة، ويهينون الإعلاميين علنًا. هذه ليست دبلوماسية، بل بلطجة سياسية، تُمارَس تحت غطاء العلاقات الثنائية.
ماذا بقي من مفهوم السيادة إذا كان موفد أجنبي يستخف بالإعلاميين ويغادر مبتسمًا من دون أن يُستدعى أو يُوبّخ؟ أي سلطة هذه التي ترضى أن يُذلّ شعبها على أيدي الغرباء، ثم تُسوّق للعلاقات مع واشنطن وكأنها “شراكة متكافئة”؟
إلى السيد براك: لبنان ليس مزرعة، ولا صحافته قطيعًا كما توهمت. هذه الصحافة هي التي كشفت الاحتلال، وفضحت الفساد، ودافعت عن الحريات حين كانت دولتك تدعم الحروب والحصارات. من يتطاول على الإعلام اللبناني يضع نفسه في مواجهة إرث طويل من الكلمة الحرة، الكلمة التي أسقطت أنظمة وأحيت قضايا.
الإهانة التي وقعت اليوم هي اختبار جديد للبنان: إما أن يثبت أنه دولة ترفض أن تُمسّ كرامتها، أو أن يستمر في موقع التابع الخاضع. فالصمت لم يعد خيارًا، بل تواطؤًا مكشوفًا. وإذا لم يتحرك لبنان الرسمي، فإن الكلمة الحرة ستبقى السدّ الأخير في وجه الوقاحة الأميركية، تقول بصوت واحد: لن نُهان في بيروت.
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط
