كشفت دراسة حديثة أجرتها عالمة النفس إليزابيث لوفتوس من جامعة كاليفورنيا، بالتعاون مع مختبر الوسائط في MIT، أن الذكاء الاصطناعي قادر على زرع ذكريات زائفة في عقول الأفراد، حتى عندما يُعلَن صراحةً أن المحتوى الذي يتعرضون له مُولَّد آليًا.
الدراسة استعرضت ثلاث وسائل استخدمت خلالها أدوات الذكاء الاصطناعي لتشويه الذاكرة: أسئلة مضلّلة من روبوتات المحادثة بعد مشاهدة فيديوهات، ملخصات غير دقيقة، وصور وفيديوهات معدّلة أو مولَّدة بالكامل. وبيّنت النتائج أن هذه التقنيات تسببت بارتفاع ملحوظ في تذكّر معلومات خاطئة، وأحيانًا بأحداث لم تقع أصلاً.
ويحذر الباحث مهند السماوي من أن هذه الظاهرة تمثل تهديدًا عميقًا، كونها لا تتلاعب بالمعلومات فحسب، بل بالذاكرة الشخصية نفسها، أي بجوهر هوية الإنسان. ويضيف أن خوارزميات المنصات الرقمية تُفاقم الخطر عبر تكرار المحتوى المضلل، مما يرسّخ الوهم ويجعل دحضه شبه مستحيل.
وأوضح السماوي أن الذاكرة البشرية هي “عملية بناء مستمرة”، وليست سجلاً ساكنًا. ولذلك، فإن التكرار، والمحتوى العاطفي، والثقة في المصدر، تساهم جميعها في ترسيخ الذكريات الكاذبة. ومن هنا يتسلل الذكاء الاصطناعي بمهارة، ويحوّل الأكاذيب إلى “حقائق داخلية”.
أما على مستوى المواجهة، فتبدو القوانين والتشريعات بطيئة جدًا مقارنة بالسرعة الهائلة لتطور هذه الأدوات، ما يتطلب تحرّكًا عالميًا عاجلًا. من بين المقترحات: فرض الشفافية، تتبّع المحتوى المولَّد آليًا، سنّ قوانين تحظر استخدام هذه التقنيات في الحملات الانتخابية، ومحاسبة الجهات المطوّرة التي تتساهل في ضوابط الاستخدام.
في السياق العربي، يتضاعف الخطر في ظل الانقسامات المجتمعية، ضعف التشريعات، والاعتماد الواسع على المنصات الرقمية بين فئات الشباب. ويقترح السماوي حملات توعية تبدأ من المدارس، دعم الإعلام المحترف، وإنشاء مراكز تحقق إقليمية لمكافحة المحتوى الزائف.
في خضم هذا الواقع الجديد، لم يعد الخطر يتمثل في “خبر كاذب”، بل في “ذاكرة مغشوشة” يُعاد تشكيلها داخل العقل البشري. وفي عالم تتحدد فيه الحقيقة بما نتذكره، قد تكون معركة الذكريات من أخطر التحديات التي نواجهها في عصر الذكاء الاصطناعي.














