| جورج علم |
مناخ ألاسكا بارد. و”قمّة ألاسكا” قمّة “الرؤوس الباردة” بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
الملف الأوكراني في الطليعة. لكن ليس هو من عجّل بإنعقاد القمّة، بل الملف الفلسطيني، وإحتمال إقدام الرئيس الروسي على الإعتراف بـ”الدولة الفلسطينيّة”.
ماذا جرى على هذا الصعيد؟
بمقاطعة كلّ من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، إنعقد في 28 تموز الماضي “المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضيّة الفلسطينيّة بالطرق السلميّة، وتنفيذ حلّ الدولتين” برئاسة مشتركة سعوديّة ـ فرنسيّة.
وهدف المؤتمر بمشاركة دوليّة وأمميّة، إلى تحقيق مسار ملزم يعزّز الإعتراف بدولة فلسطين، ما يحقق فرص السلام الإقليمي.
ومع إنتهاء أعمال المؤتمر، بدأ الرئيس ترامب حملة إعلاميّة ضدّ روسيا، والرئيس بوتين شخصيّاً، على خلفية الحرب في أوكرانيا، مهدداً موسكو بالمزيد من العقوبات، إن لم تبادر إلى الإمتثال لهدنة الـ30 يوماً، وإحترام قرار وقف إطلاق النار، والدخول بمفاوضات مباشرة لإنهاء الصراع.
تزامن خطاب ترامب التصعيدي بعدما تلقى تقريراً مخابراتيّا يؤكد بأن بوتين قد يفاجئ العالم بقرار تاريخي، ويقدم على الإعتراف بالدولة الفلسطينيّة، وإن فعل، وأقدم، فسوف يحدث إنقلاباً على السياسة الأميركيّة المتبعة في الشرق الأوسط، ويستحوذ على تعاطف سعودي ـ خليجي ـ عربي فوري، ناهيك عن المجتمع الدولي.
هل سعى ترامب إلى القمة لإقناع بوتين بعدم الإقدام على هذه الخطوة التي تصيب المصالح الأميركيّة في المنطقة بالصميم؟
النتائج ستكشف الحقائق، والتفاهمات. لكن غزّة، والقضيّة الفلسطينيّة، وإيران، والخليج، وسوريا، ولبنان، ستكون على جدول أعمال المباحثات. فهل يشهد العالم “يالطا جديدة”؟
هناك ملفات جرت مقاربتها بموضوعيّة. وإطار عام جرى التفاهم حوله، وإلاّ لما كان من موعد سريع للقمة، ولا من تحضير لوجستيّ واسع لإستكمال عناصر نجاحها.
ما يهمّنا في لبنان، تأمين توافق أميركي ـ روسي لدعم عهد الرئيس جوزاف عون، لكي يكون في لبنان دولة، ومؤسسات وطنيّة ناهضة، ومساعدة حكومة نواف سلام على تنفيذ ما جاء في بيانها الوزاري.
إن مظلّة أميركيّة ـ روسيّة، إذا ما تأمّنت خلال القمّة، وتمّ توافق مشترك على وضع سائر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ـ ذات الصلة – موضع التنفيذ، فهذا يعني توافق بين الجبارين على وضع لبنان على سكّة الإستقرار والإزدهار.
لا يمكن الإفراط في التفاؤل، وتقضي الموضوعيّة القول إن لبنان خسر صديقين لقضيته وراء كواليس الكرملين، الدبلوماسي المحترف ميخائيل بوغدانوف الذي أعفي من منصبه كرئيس لدائرة الشرق الأوسط، وعميد السلك الدبلوماسي العربي في موسكو، السفير اللبناني شوقي بو نصّار الذي وهبه الرئيس بوتين “وسام الصداقة” تقديراً لخدماته، مع مغادرته العاصمة الروسيّة.
إلاّ أن مصالح الدول أشبه بفيل ضخم يتقدّم بثبات نحو هدفه غير عابىء بالنتوءات. وما يصحّ قوله في القمّة، أن العالم يقف على رجل واحدة ينتظر نتائجها ليتعرّف إلى مواصفات اليوم التالي إنطلاقاً من أوكرانيا إلى غزة، ومن ألاسكا إلى رياح الأرض الأربع.
في لبنان، المؤشرات واضحة، أقلّه في ما يتعلق بما هو متوافر منها لغاية كتابة هذه السطور.
– الإيراني قلق. وقلقه نابع من مصدرين:
الأول: أن موسكو لم تمدّه بما يكفي من الدعم، لتمكينه من الوقوف بثبات وقوّة، بوجه المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي.
والثاني: أن الإدارة الأميركيّة لم تعره ما يكفي من إهتمام للبدء بحوار متكافئ حول مستقبل النظام في طهران، ومستقبل دورها في الإقليم.
ولذلك عمدت الدبلوماسيّة الإيرانيّة إلى “القرقعة في الدست اللبناني” لإسماع واشنطن، ولفت إنتباهها بأن سلاح “حزب الله” خطّ أحمر، وقرار الحكومة اللبنانيّة بـ”حصريّة السلاح” سيبقى حبراً على ورق!
– الإسرائيلي قلق. وقلقه نابع من مصدرين:
الأول: كثّف بنيامين نتنياهو إتصالاته في الآونة الأخيرة مع بوتين تحت شعار التخفيف من حدّة التشنج ما بين موسكو وواشنطن، بعد “الغزوة الإعلاميّة” التي شنّها ترامب ضد الكرملين. في حين أن الهدف من الإتصالات رمى إلى إطلاع الرئيس الروسي حول ما تعدّه تل أبيب تجاه غزّة، ومصير ومستقبل القطاع.
الثاني: بحث الدور الإسرائيلي في كلّ من سوريا ولبنان، خصوصاً في ظلّ إنفتاح حكومة الرئيس أحمد الشرع على موسكو، والزيارة التي قام بها وزير الخارجيّة أسعد الشيباني إلى الكرملين، ولقائه “الإستراتيجي” مع الرئيس بوتين.
موسكو ـ ووفق تقارير دبلوماسيّة ـ أكدت لرئيس وزراء العدو، أنها مع سيادة لبنان، ووحدة وسلامة أراضيه، ومع تنفيذ قرارات مجلس الأمن – ذات الصلة ـ وفي طليعتها القرار 1701.
– والأميركي قلق، وقلقه نابع من مصدرين:
الأول: إن التفاهم الأميركي ـ السعودي حول سوريا يواجه تحديّات مصيريّة، أبرزها الجشع الإسرائيلي المتمادي في الداخل السوري، والذي لا يعرف حدوداً، ولا يقرّ بنقطة نهاية. ونشاط الخلايا المتطرفة التي لها خريطة طريق مغايرة لتلك التي تعتمدها حكومة الشرع. فضلاً عن الفتن الطائفيّة والمذهبيّة المتفلّتة، والتي تهدد وحدة التراب السوري.
الثاني: إن تهديد إيران بتفشيل قرار الحكومة اللبنانية حول حصريّة السلاح، ليس بالعابر، بل هو مبدئي، وجدّي وموجّه بشكل مباشر إلى الإدارة الأميركيّة، ودورها في لبنان، والمهمّة التي يضطلع بها توم برّاك. فكيف يكون الرد؟ وماذا سيحمل معه برّاك إلى بيروت في النصف الثاني من هذا الشهر؟ وأي مقلب سينقلب عليه الوضع اللبناني؟
هناك إجابة بسيطة، وبارقة أمل حملها وميض خليجي إلى بيروت، عن تدخل سعودي مباشر لدى كلّ من الحليفين الموثقين الروسي والأميركي، يرمي إلى أن تسفر قمّة ألاسكا عن مظلّة أميركيّة ـ روسيّة تظلّل الواقع اللبناني، وتدعم العهد، وحكومته، على وضع القول الذي ورد في خطاب القسم، وفي البيان الوزاري، موضع الفعل.. فهل من أمل؟














