| خلود شحادة |
“الوقت يداهم الجميع.. ولا مجال لإضاعة الوقت”… هكذا اختصر المبعوث الأميركي توم برّاك واقع المفاوضات، وهذا ما يعلمه جميع اللبنانيين، بل يؤمنون به أيضاً.
اللبناني الذي لا يملك اليوم منزلاً بعد أن هدمه الإحتلال، أو ما زال مهجراً من منزله في القرى الحدودية، مسلوباً حق العودة، والذي يقبع تحت نيران الإحتلال المتنقلة بين منطقة وأخرى، ويحاول التأقلم مع صوت المسيّرات الذي يخرق الهدوء القلق، يدرك جيداً الحاجة الماسة لإلتزام “إسرائيل” قرار وقف إطلاق النار، وإنهاء حالة الحرب الصامتة التي يعيشها لبنان.
هذه الأمنيات اللبنانية، الواضح أنها لا تتلاقى مع الرغبات الأميركية، التي عبّر عنها برّاك بقوله إنه “لا يمكن إرغام إسرائيل على شيء”. إذاً ما هو دور الوسيط الأميركي؟ وهل التفاوض يكون عبر تنازل من طرف واحد؟!
أسئلة عدة مشروعة تتعلق بأصل الزيارة وبروتوكلاتها أساساً، قبل الغوص في تفاصيل اللقاءات والتصريحات والمواقف المتناقضة.
يعتبر برّاك، أن ملف المفاوضات يتم بين الولايات المتحدة الأميركية و”لبنان الرسمي”. ما يجب ذكره، أن “لبنان الرسمي” في المفاوضات يعبّر عنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وهذا ما يطرح سؤالاً، لماذا يلتقي برّاك بالرؤساء الثلاثة؟
أميركا التي تجاهر بأنها ترفض الحوار مع “حزب الله” لأنه “تنظيم إرهابي”، تدرك جيداً أن موقف الحزب موجود لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لا يلعب دور الوسيط ـ كما تروج أميركا والذين يدورون في فلكها السياسي والمصلحي ـ بل إنه يشكل موقفاً واضحاً وثابتاً، وهو ما جرى الاتفاق عليه بين بري والأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، من دون أي تباين، وهذا يعني أن لقاء براك ببري، ليس بروتوكولياً، بل للاطلاع على موقف “حزب الله” من الشخص الأقرب.
يعلم برّاك جيداً أنه مهما امتدح الرئيس بري، لن يغير في الأمر شيئاً، رغم أن محاولاته باتت فاقعة في هذا الشأن، حيث ينسى مضمون اللقاء، ويحوله دائماً إلى فرصة لـ”تمجيد” و”مدح” و”تبجيل ذكاء وحنكة” بري، وهذا ما لا ينتظر اللبنانيون برّاك لمعرفته، بل إنه سمة واضحة من سمات رئيس البرلمان لأكثر من 20 عاماً.
ولكن، بعد الحديث من فوق ماء التفاوض، لا بدّ من الغوص في أعماق التفاصيل، التي تطرح أسئلة عميقة:
فهل دور برّاك مفاوض فعلي على خط بيروت – واشنطن – تل أبيب.. أم أن دوره يندرج ضمن محاولة لإشغال المسؤولين اللبنانيين في لعبة سياسية، بينما تُرسَم خرائط جديدة في المنطقة بدأت بعد السابع من أكتوبر؟
ربّما، يحاول برّاك أن يكون “new version” لفيليب حبيب، عرّاب اجتياح 1982، أو ربّما يحاول تحقيق ما لم يحققه حبيب حينها، مستنداً إلى دعم لبناني للموقف الأميركي، يشبه ذلك الدعم الثمانيني، ومفاوضات “وقحة” تشبه تلك المرحلة.
يُراهن برّاك، ومن خلفه الأميركي والاسرائيلي، على ضعف المقاومة، المتمثلة بـ”حزب الله”، عسكرياً وظاهرياً، مع خروجه من منطقة شمال الليطاني، والرغبة الإسرائيلية بإخراجه من كل لبنان، ويشبّه هذا الضعف بمرحلة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
يظهر ذلك جيداً في فلتات الخطابات، وفي الخطابات المساندة من الأطراف اللبنانية، ووقاحة المطالبة باتفاق سلام مع “إسرائيل” فوق أشلاء اللبنانيين وركام منازلهم. إلا أن المرجع التاريخي الذي استند إليه برّاك ومَن خلفه، يحتاج إلى خضّة إيجابية، تعيده إلى تلك المرحلة، وهي كالتالي:
أولاً، “حزب الله” مكوّن لبناني 100%، لا يمكن التعامل معه كمنظمة دخيلة على النسيج اللبناني، وهو الذي يمتلك أكبر شعبية حزبية.
ثانياً، لبنان 2025، لا يشبه لبنان الثمانينيات. المقاومة اليوم على الرغم مما أصابها، أقوى بكثير مما كانت عليه سنة 1982. ومع ذلك، فإن مقاومة 1982 استطاعت اسقاط اتفاق 17 أيار، بعزيمة لبنانية – عقائدية – وجودية.
ثالثاً، نبيه بري، الرجل الأذكى بشهادة الأميركي قبل اللبناني، لم يكن في 1982 بقوته وشعبيته اليوم، وكان تنظيمه يعاني من الخلل بعد تغييب مؤسسه الإمام موسى الصدر، وعلى الرغم من ذلك تمكن، مع حلفائه من كل الأطياف اللبنانية، من انتشال لبنان من دوامة التطبيع وإعادته إلى حقيقته اللبنانية الوطنية الرافضة للخنوع والذل.
بري، ليس داعماً لـ”حزب الله”، ولا يبرم اتفاقاً سياسياً مبنياً على تحالف مع الحزب، ولذلك هو لا يدعم المقاومة، بل إنه رأس حربة في اسقاط المشروع الصهيوني الذي أرادوا ترسيخه في البلاد منذ أكثر من 30 عاماً، وهو يؤكد اليوم أنه سيلعب الدور نفسه بوجه أي محاولة إقصاء وإلغاء لمكون أساسي في البلد، وفي وجه أي دور قد يجرّ لبنان إلى سلام مع كيان الإحتلال.. بالتالي، لا تتعدّى طموحات برّاك بالتأثير على موقف بري حدود الأوهام!
ربّما يصبح لبنان أمام “update” لـ”6 شباط” القديم، أو “6 شباط” جديداً إن لزم الأمر.. ولكن بصيغة مختلفة!














