| خلود شحادة |
على وقع الغارات والاستهدافات، تعلو أصوات تطالب بتسليم سلاح المقاومة، مع تحديد المهل والطرق، وداعية لمصادرته بـ”القوة” إن دعت الحاجة!
لم يعد السؤال “هل سيسلم الحزب سلاحه؟”، وإنما ما الذي يمكن أن يدفع الحزب لتسليم سلاحه؟
المعادلة بالنسبة للمقاومة واضحة، ليس في لبنان وحسب بل لكل حركات المقاومة في العالم، وهي أن وجودها هو نتيجة الإحتلال أو التهديد به، وإن حررت الأرض وزال التهديد لا يعود هناك حاجة للمقاومة.
قاعدة واضحة، بعيداً عن الشعبوية، “والهوبرة” الإعلامية التي يستخدمها البعض خدمة لأهداف محددة.
منطقياً، من الممكن أن يقبل “حزب الله” ـ باعتباره مقاومة ضد الاحتلال ـ بتسليم السلاح شرط انسحاب “إسرائيل” من كامل الأراضي اللبنانية. هذا ما يشاع.. ولكن!
من يضمن العدو الإسرائيلي القابع على حدود لبنان الجنوبية؟
لم تسقط من الذاكرة مجزرتا صبرا وشاتيلا في سنة 1982، عندما خدعت “إسرائيل” لبنان، بتضليل أميركي، فأخرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت باتفاق كان يفترض أن يؤدي إلى انسحاب جيش الاحتلال من محيط بيروت. لكن ما حصل هو أن جيش الاحتلال، وبرعاية أميركية، اجتاح بيروت بعدما فرغت من عناصر قوتها، وارتكب مجازر في صبرا وشاتيلا أودت بحياة المئات من الأبرياء!
“ضمانات” إسرائيلية؟!
تريد “إسرائيل” أن يتخلّى لبنان عن عناصر قوته، عبر استسلامه بتسليم السلاح، وأن تكون القوى الأمنية الرسمية اللبنانية والجيش اللبناني “حرس حدود” لا أكثر.
وما يثير المخاوف حول ذلك هي الأسئلة المنطقية: لمَ لا تحتفظ الدولة بالسلاح الذي يحصل عليه الجيش بدل تفجيره؟! هل ممنوع على الجيش اللبناني أن يحتفظ بصاروخ “كورنيت”؟ وكيف يمكن وضع استراتيجية عسكرية ببندقية مقابل طائرات وبوارج وصواريخ؟!
ثمة محاولة لوضع المقاومة تحت ضغط بثلاثة أذرع:
الأول، يتمثل بالعدو الصهيوني، الذي يمعن باستهداف المدنيين وكل من له علاقة قريبة أو بعيدة بـ”حزب الله”، من شمال لبنان إلى بقاعه وجنوبه، وأعطى لنفسه “حق” تصفية اللبنانيين، و”حق” حرية العمل على كامل الأراضي اللبنانية، بقصفه كل الأبنية بذريعة أنها “تهدد أمن إسرائيل”!
هذه الحرب المستمرة بشكل مختلف، والمتنقلة من منطقة إلى أخرى، تضع “حزب الله” أمام تحدٍّ حقيقي: هل سيبقى ملتزماً الصمت؟ أم أن “الصبر الاستراتيجي” قد بلغ حدوده، بسبب عجز الدولة ـ عسكرياً وديبلوماسياً ـ عن كبح الوقاحة الصهيونية على الأراضي اللبنانية والتي تحصل تحت إشراف أميركي مباشر؟!
الثاني، يتمثل بضغط المجتمع الدولي الذي يحمل شعار “الإعمار مقابل إنهاء حزب الله”، ويضع الدولة أمام مساءلة حقيقية بواجبها تجاه الشعب الذي دُمرت بيوته، وكذلك يستفز بيئة المقاومة، الصابرة على كل تبعات الحرب الشعواء التي شنها العدو الصهيوني من دون أي رادع.
أما الثالث، فهو الداخل اللبناني، والشركاء في الوطن الذين يحمّلون الضحية المسؤولية. يلومون الشهيد لأنه استفز القاتل، ويعيبون على الشهداء “إهدار دمائهم” لأنهم يرفضون احتلال الوطن، وأن هذا الرفض يعطي ذريعة لـ”القتل على الهوية”!
لم يعد بعض اللبنانيين يرى ضرورة لـ”استراتيجية دفاعية” تحمي لبنان، لأنهم يعتقدون أن الأميركيين هم “الاستراتيجية الدفاعية” للبنان!
بينما ذهب البعض للتنازل عن لبنانية مزارع شبعا المحتلة، كي يعطّل مبرّر المقاومة!
فئات سياسية أخرى ربطت سحب السلاح بحل أزمة الكهرباء وإعادة أموال المودعين ورفع الحد الأدنى للأجور وأزمة السير وإضاءة الأنفاق ومعالجة طبقة الأوزون!
بعضهم، وتحديداً حزب “القوات اللبنانية”، يقود حملة تسليم سلاح “حزب الله” ويهدّد في الوقت نفسه بـ15 ألف مقاتل، يتسلّحون بالعصي مثلاً؟!
وبين الداخل والخارج، مساع واضحة لـ”تشييع” سلاح المقاومة، وفكرة العداء مع “إسرائيل”، وخلق شرذمة في الشارع اللبناني، وكأن “إسرائيل” هي عدوة للشيعة فقط، بينما حمام دم الإبادة الجماعية في غزّة ما زال غزيراً.
وبالتزامن، بُذلت جهود أيضاً لفتنة شيعية ـ شيعية، بين جمهوري “حزب الله” وحركة “أمل”. لكن هذا الاستهداف، أدى إلى نتائج عكسية، وعبّرت المجالس العاشورائية المشتركة في العديد من البلدات عن ردّ حاسم، ثم جاء المجلس العاشورائي المركزي الذي تنظمه حركة “أمل” في الضاحية الجنوبية لبيروت ـ معوض. رفع جمهور حركة “أمل” صور الشهيد السيد حسن نصر الله، وهتفوا “لبيك يا نصر الله” و”لبيك يا موسى الصدر”، وهذا ما أعطى رسالة واضحة: “شركاء في الدم والتضحيات”.