| زينة أرزوني |
بعد أكثر من عقد من التنبؤات والمعارك والتدخلات، يبدو أن الزمن قد أتى ليختبر صدق تلك التحذيرات، التي أطلقها الشهيد السيد حسن نصر الله. فمنذ بداية الأزمة السورية عام 2011، رفع السيد نصر الله راية التحذير من “سقوط سوريا” بيد من وصفهم بـ”التكفيريين”، مشدداً على أن انهيار نظام الرئيس بشار الأسد ستكون له تبعات كارثية، ليس فقط على سوريا، بل على محور المقاومة بأكمله.
هل تحققت تحذيرات نصر الله؟
حين كان نصرالله يحذّر في خطاباته من “سقوط سوريا في يد التكفيريين”، اعتبر خصومه هذا التحذير مبالغاً فيه ومتخوفاً على نفوذه، لا على الشعب السوري. لكن اليوم، وفي ظل ما حصل مع الدروز في السويداء وقبلها مع العلويين في الساحل السوري، والغارات الاسرائيلية التي طالت وزارة الدفاع وهيئة الأركان السورية وصولاً إلى محيط “قصر الشعب”، يعود السؤال ليفرض نفسه: أَلَم تكن تحذيرات نصر الله دقيقة؟
واقع الحال يشير إلى أن كثيراً مما حذّر منه نصر الله بات واقعاً ملموساً. انهيار النظام أدى إلى خلخلة جيوسياسية في المشرق، وانكشاف محور المقاومة، بل وتهديد إسرائيلي مباشر من بوابة فراغ السلطة في سوريا.
لكن تبقى زاوية مهمة لا بد من التوقف عندها: هل كان نصر الله ينطق من موقع النبوءة السياسية، أم من منطلق الدفاع عن مصالح حزبه الإقليمية؟ الإجابة على هذا السؤال قد تختلف باختلاف الزاوية التي يُنظر منها، لكن الثابت أن ما جرى في سوريا بعد سقوط الأسد، أعاد تشكيل الشرق الأوسط برمّته، وكل ما قيل عن المراسلات غير المباشرة أو اللقاءات المباشرة في باكو وأوسلو بين سوريين واسرائيليين، وعلى الرغم من استهداف دمشق، وإيصال “الرسائل التأديبية” للحكومة السورية بعدما تجاوزت الخطوط التي وضعتها لها بشأن ما حصل في السويداء، وعلى الرغم من هذه المعاقبة، ففي النهاية ستتدخل ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعيد الأطراف جميعًا إلى مسار المفاوضات، وإتمام دخول الجميع في “الاتفاقيات الإبراهيمية”.
معارك استباقية ومراجعات متأخرة
عندما دخل “حزب الله” إلى سوريا عام 2013 علناً، برّر تدخله دفاعاً عن المقدسات وحماية الحدود اللبنانية من خطر الإرهاب التكفيري. البعض استنكر، رأى في ذلك تورطاً إيرانياً على حساب السيادة اللبنانية، وخرجت شعارات “النأي بالنفس” من أفواه الساسة.
لكن اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، وبروز سيناريو التقسيم الحتمي في سوريا بين الشمال الكردي، والجنوب الدرزي، والغرب العلوي، والشرق العربي السنّي، يتضح أن تحذيرات “حزب الله” لم تكن ضرباً في الغيب، بل قراءة واقعية لمشروع أميركي ـ إسرائيلي يُنفّذ ببطء.
في معركة جرود عرسال، قال الحزب إنها “حرب استباقية لمنع التفجيرات في بيروت والضاحية”، واعتُبرت حينها تهوراً عسكرياً، لكن بعد كشف خلايا إرهابية وتفجيرات فعلية حدثت لاحقاً في لبنان، هل بات ضرورياً إعادة تقييم تلك المرحلة؟
اليوم، حين تشتعل جبهة غزة، ويتحدث الإسرائيلي عن “ريفييرا المتوسطية”، وممر غاز بحري عبر قبرص، ويُربط أمن المنطقة بمفاوضات التطبيع، نفهم أن القتال لم يكن خياراً عبثياً، بل جزء من مواجهة استراتيجية متكاملة ضد المشروع الإسرائيلي.
اللافت في المشهد الأخير هو بروز أصوات إسلامية من مدينة طرابلس تطالب بالمشاركة في الدفاع عن سوريا، وتدعو لمقاومة جديدة. هل نحن أمام تحوّل جذري في التموضع السني التقليدي؟ وهل يعود السنّة لتبنّي “فكرة المقاومة”؟ ولكن السؤال هنا أي نوع من المقاومة وضد من ستكون؟
من الواضح أن خطابات السيد حسن نصر الله منذ 2011 لم تكن مجرد شعارات. تحذيراته من التقسيم، التطبيع، وتفكيك سوريا، باتت واقعاً، والسؤال الآن ليس إن كان قد أخطأ، بل: هل فهم الآخرون متأخرين؟
في ظل كل ما يحدث في غزة، السويداء، ولبنان، يبدو أن ما فعله “حزب الله” على مدى 14 عاماً لم يكن مجرد مغامرة، بل محاولة تأجيل الانفجار الكبير. فهل فات الأوان؟ أم أن المنطقة تستيقظ أخيراً، على وقع نار واحدة، وعدو واحد؟
تحذيرات نصر الله عبر السنوات
في خطاب بتاريخ 30 اذار 2012، حذّر نصر الله من أن أي تدخل عسكري خارجي في سوريا ستكون له “تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة بأسرها”.
في خطاب لاحق عام 2012، أكد أن سوريا المؤمنة ستكون ضرورية للاستقرار، وأن انهيار النظام سيكون داعماً لمشاريع دعم الفوضى والتقسيم.
في 16 شباط 2014 تساءل نصر الله “إذا سيطرت الجماعات المسلحة على سوريا، فما الذي سيحلّ بسوريا؟ سيكون مثل ما حدث في الرقة ودير الزور وإدلب”، مبيناً أن سقوط النظام سيعرض لبنان وسائر المنطقة لخطر انتشار الجماعات المتطرفة.
في 25 أيار 2014، حذّر من عودة “المقاتلين الأجانب” الذين جُلبوا إلى سوريا: “لقد تبين بوضوح أن الذي جيء بهم إلى سوريا أصبحوا يهددون جميع من أرسلهم”، مشيراً إلى خطة لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، محذراً من تبعات ذلك الأمنية والسياسية.
في حزيران 2020، عندما أصدرت الولايات المتحدة قانون “قيصر”، وصف نصر الله الضغوط الغربية بأنها محاولة لـ”تجويع سوريا ولبنان”، مشيراً إلى أن الحرب الاقتصادية ضد سوريا هي السلاح الأخير للغرب، بينما سوريا قد انتصرت عسكرياً وأمنياً وسياسياً حينها.
للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” على “واتس آب” إضغط على الرابط














