كشفت جلسة مساءلة الحكومة أمس تبايناً عميقاً في النظرة إلى عمل الحكومة، وسط توافق شبه عام على مطلب حصر السلاح بيد الدولة، لكن مع اختلاف في سبل تحقيقه وتوقيته. كما طغت قضايا الفساد القضائي، الكارثة البيئية، وحقوق المغتربين على النقاش، في وقت يسير فيه لبنان على حافة أزمة وطنية كبرى، داخلياً وخارجياً. واليوم يواصل مجلس النواب جلسة مناقشة الحكومة.
وعكست الجلسة النيابية الأخيرة مناقشة ساخنة حول القضايا السيادية والملفات الاقتصادية والاجتماعية، وسط انقسام واضح بين رؤيتين أساسيتين لمستقبل الدولة.
ورأى أصحاب هذا الاتجاه أن لبنان لم يعد يحتمل ازدواجية السلطة والسلاح، معتبرين أن استمرار وجود قوة مسلحة خارج إطار الدولة يعطّل مسار الإصلاحات، ويمنع قيام دولة القانون والمؤسسات. واعتبر هذا الفريق أن الوقت حان لبلورة خطة حكومية واضحة ومُعلنة، بجدول زمني محدد لتسليم السلاح إلى الدولة، وتكريس مبدأ حصرية القوة بيد الجيش اللبناني، كشرط أساسي لأي نهوض اقتصادي أو انفتاح دولي.
ورأى هذا الفريق أن بقاء السلاح خارج سلطة الدولة هو السبب المباشر في غياب الاستثمارات، وفي عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي، إضافة إلى كونه مصدر توتر داخلي دائم، يضعف مناعة الدولة ويُغذّي الاصطفافات الطائفية والسياسية. كما شدد هذا الفريق على ضرورة وضع حدّ لاستخدام السلاح كورقة تفاوض إقليميّة تُستخدم على حساب الاستقرار الداخلي.
في المقابل، دافعت وجهة النظر الأخرى عن واقع السلاح بوصفه ضرورة في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة وغياب استراتيجية دفاعية وطنية متكاملة. واعتبر أصحاب هذا الرأي أن المطالبة بنزع السلاح دون الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الخارجية والموقع الجغرافي للبنان تمثّل قفزاً في المجهول، وربّما فتحاً لباب الفوضى. وحمّل عدد من النواب المسؤولية أولاً للدولة التي لم تُبنَ بشكل فعلي، وتساءل هؤلاء كيف يمكن المطالبة بحصر السلاح بيد دولة عاجزة عن بسط سلطتها، وعن حماية حدودها، وعن معالجة الفساد في مؤسساتها؟ ودعا إلى الحوار الوطني كمدخل لحل أزمة السلاح، لا الفرض أو التهديد، معتبراً أن أي حل يجب أن يتم ضمن مقاربة سيادية شاملة تشمل أيضاً استراتيجية دفاعية واضحة.
ورغم التباعد الكبير بين الموقفين، برز توافق شبه عام على أن الحكومة الحالية لم تترجم وعودها الإصلاحية، ولم تتقدّم بأي خطة اقتصادية متكاملة، في ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتفاقم أزمة الودائع، واستمرار الفوضى المالية. كما طرحت انتقادات حول إدارة ملف النزوح السوري، وحول غياب العدالة في التعيينات، وتأخّر تطبيق الإصلاحات الأساسية كالتصويت الاغترابي، واللامركزية الإدارية.














