الثلاثاء, ديسمبر 9, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةشريط الاحداثحكومة الشرع تتحصّن بالإنكار: سوريا مسرحاً للفوضى الأمنية

حكومة الشرع تتحصّن بالإنكار: سوريا مسرحاً للفوضى الأمنية

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

 | عامر علي | 

تتجاهل السلطات السورية الجديدة المجازر والانتهاكات بحق المواطنين، وسط فشلها في ضبط الفصائل المتشددة، ما يعمّق الفوضى ويعطّل قيام دولة المواطنة.

أكثر من ثمانية آلاف سوري فقدوا حياتهم خلال الأشهر السبعة الماضية، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقيام الإدارة الجديدة بحلّ الأجهزة الأمنية والشرطية، وانحلال الجيش، الأمر الذي خلق حالة هشاشة أمنية غير مسبوقة، بالتزامن مع صعود فصائل متشدّدة امتلكت نفوذاً كبيراً منحها القدرة على ارتكاب مجازر بعضها ثأري وبعضها الآخر على أساس طائفي بحت. وترافق ذلك مع استمرار عمليات الخطف (خطف النساء بشكل خاص)، وجرائم الاغتيال اليومية، وعمليات التهجير والتغيير الديموغرافي.

وولّدت المجازر ضد العلويين في المنطقة الوسطى والساحل السوري غرباً، والتي ارتُكبت في آذار الماضي، صدمة بسبب الخسائر البشرية الكبيرة التي وقعت دفعة واحدة (تراوِح التقديرات بين 1500 و 2500 ضحية). ومع ذلك، لم تتوقف عمليات القتل اليومية على خلفية طائفية، والتي تبنّت بعضها جماعات تمّ الإعلان عن تشكيلها بعد إعلان «هيئة تحرير الشام»، التي تحكم سوريا حالياً، حلّ نفسها، أبرزها جماعة «سرايا أنصار السنّة»، التي دعت مناصريها إلى قتل الأقليات وتهجيرها، وتبنّت التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة في العاصمة دمشق.

وتظهر نظرة على سلوك الفصائل، التي أعلنت عن حلّ نفسها شكلياً، وحافظت على بنيتها القائمة على الجماعات الصغيرة التي يقودها «شيوخ» يُطلق على بعضهم لقب «أمراء»، تفاوتاً كبيراً في أفكار عناصرها وسلوكهم، إذ يُظهر بعض هؤلاء ميلاً نحو «السلم الأهلي»، في حين ينحو آخرون نحو ارتكاب عمليات قتل وانتقام طائفية، الأمر الذي خلق حالة ارتباك حيال أجهزة الدولة الناشئة، وسلطاتها الأمنية على وجه الخصوص (الأمن العام)، وهو مصطلح فضفاض يُطلق تقريباً على جميع العناصر الأمنيين، والفصائل التي تعلن عن «حملات أمنية» بين وقت وآخر.

ولا يرتبط هذا التفاوت فقط بأداء العناصر على الأرض، بل يمتد عمودياً نحو قيادات عليا، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال عدد كبير من جرائم القتل، آخرها قتل نبيل خضور وزوجته لمى علي الصارم في حمص، بعد أن قاما بمراجعة الأجهزة الأمنية لتقديم شكوى حول تعرّض منزلهما للسرقة، ليُعثر في ما بعد على جثتيهما مرميتين داخل معسكر الحسن بن الهيثم في المدينة.

كذلك، فوجئ سكان طرطوس بقيام السلطات الأمنية بإطلاق سراح شخص كان الأهالي قبضوا عليه أثناء محاولته خطف إحدى الفتيات وتسليمه للسلطات، ليظهر بعد بضع ساعات وهو يتجوّل في شوارع المدينة، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول مصير العناصر الذين قالت السلطات إنها عمدت إلى القبض عليهم بعد ثبوت تورّطهم في ارتكاب جرائم.

وفي سياق محاولتها احتواء آثار المجازر، أعلنت السلطات الجديدة تشكيل لجنتين، الأولى مهمتها التحقيق في المجازر وتقديم تقرير نهائي، علماً أن آخر موعد لتقديمه اليوم، والثانية مهمتها «السلم الأهلي». وأخيراً، ظهر عضو اللجنة الثانية (السلم الأهلي) أنس عيروط، في تصريحات أثارت جدلاً واسعاً؛ إذ أقسم خلال لقاء تلفزيوني بأنه لا توجد أي عمليات خطف في الساحل السوري، في وقت وثّقت فيه تحقيقات عديدة، بينها تحقيق نشرته وكالة «رويترز»، العشرات من حوادث خطف النساء العلويات، واللواتي عاد بعضهن إلى منازلهن في ظروف غامضة، وسط تكتّم إعلامي، فيما أخريات أعلنّ الزواج، وثالثات ما زال مصيرهن مجهولاً.

ويجلي تصريح عيروط، وهو محافظ طرطوس أيضاً، التكتيك الذي تعتمده السلطات حيال الجرائم التي تقع؛ وهو الإنكار. وفي حال ثبوتها، يتم تشكيل لجان لتقصّي الحقائق، لا يُعرف بالضبط الآلية التي تعمل من خلالها، ما دفع منظمة «العفو الدولية» إلى إصدار بيان طالبت فيه السلطات بنشر النتائج الكاملة لتحقيقاتها حول مجازر الساحل وضمان محاسبة المسؤولين عنها.

وقالت نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى «العفو الدولية»، كريستين بيكيرلي، إنه «يجب على الرئيس الشرع الالتزام بنشر النتائج الكاملة لتحقيق لجنة تقصّي الحقائق بشأن عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين العلويين في المناطق الساحلية، وضمان تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة». وتابعت أنه «من حق الناجين وأسر الضحايا معرفة ما حدث، ومن يتحمّل المسؤولية، وما هي الإجراءات العملية التي ستتخذها السلطات لتحقيق العدالة».

وإلى جانب استمرار عمليات القتل، يعاني العلويون عمليات تهجير متعمّدة، الأمر الذي ظهر في قرية أرزة في ريف حماة، والتي تمّ تهجير سكانها، وتغيير اسمها إلى «خطاب الجديدة». كذلك، تظهر نظرة على أحوال ريف اللاذقية الذي يتمركز فيه مسلحون من جنسيات غير سورية، اعتماد الفصائل على عمليات الترهيب المستمرة، وفرض حظر دوري للتجوّل، الأمر الذي تسبّب بنزوح آلاف العائلات، مقابل استقطاب وتوطين عائلات جديدة، في إطار عمليات تغيير ديموغرافية تبدو متعمّدة.

وفي هذا السياق، قامت السلطات في قرية معان في ريف حماة بإجبار السكان على التوقيع على اتفاقية استثمارية مع شركة زراعية مجهولة تُدعى «اكتفاء»، تقول إنها تتبع للحكومة، مُنح بموجبها السكان 40% فقط من حقهم في أراضيهم المزروعة بالفستق الحلبي، إحدى أكثر المزروعات درّاً للأرباح في سوريا. كما تمّ الاستيلاء على مساحات عديدة من الأراضي، بعد اضطرار السكان إلى النزوح، الأمر الذي دفع بعض عناصر الفصائل إلى المطالبة بحصة في هذه الأملاك، التي جرى تقديمها لبعض المقاتلين الأجانب.

وهكذا، يخلق المشهد الأمني والفصائلي في سوريا مشهداً شديد التعقيد، تتداخل فيه عوامل عديدة، بعضها يرتبط بعدم قدرة السلطات على ضبط الأمور حتى الآن، وبعضها الآخر يتعلق بطبيعة الفصائل الموكل إليها ضبط الأمن، والتي ينتمي عناصرها إلى تيارات متشدّدة، وأخرى قائمة على اعتقاد بالاستحقاق لأسباب طائفية. وينذر ذلك باستمرار نزيف الدماء، من دون محاسبة حقيقية، أو قدرة على المحاسبة، الأمر الذي يجعل بناء دولة مواطنة، وفق ما تعلن السلطات الحالية أنها تطمح إليه، أمراً عسيراً.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img