السبت, ديسمبر 13, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderكورنيش صيدا: النرجيلة والقهوة بـ50 دولاراً.. الحق العام مسعّر بإشراف البلدية! 

كورنيش صيدا: النرجيلة والقهوة بـ50 دولاراً.. الحق العام مسعّر بإشراف البلدية! 

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

 

تحوّل الكورنيش البحري في صيدا الذي يفترض أن يكون متنفساً عاماً ومجانياً لأهالي المدينة وزوارها إلى ما يشبه السوق المفتوح، حيث تتزاحم الطاولات والكراسي، وتحتل الأرصفة والمساحات الخضراء بشكل شبه كامل من قبل من يُعرفون اليوم بـ”أصحاب القعدة”.

هؤلاء حوّلوا المكان إلى مقهى مفتوح، لكن من دون ضوابط، ومن دون شفافية، ومن دون عدالة.

 

القضية لا تتوقف عند مجرد احتلال مساحة عامة، بل تتعداها إلى استغلال صارخ للناس.

أحد الزوار قال لموقع “الجريدة” إنه قصد الكورنيش مع أصدقائه لقضاء أمسية بسيطة، فطلبوا نرجيلتين، وثلاثة فناجين قهوة، وثلاث زجاجات مياه صغيرة، ليفاجأوا بأن صاحب “القعدة” طلب منهم 50 دولاراً أي ما يعادل 4 ملايين ونصف ليرة لبنانية! رقم فاضح، لا يعكس لا نوعية الخدمة ولا كلفة المواد، بل يعكس واقعاً مؤسفاً: تسليع المساحات العامة وتحويلها إلى مصدر جشعٍ لا يعرف حدوداً.

 

أصحاب “القعدة” يبررون هذه التسعيرة المرتفعة بكونهم يدفعون مبالغ مالية لبلدية صيدا، مقابل السماح لهم باستخدام هذه المساحات. وهنا تبدأ القصة الحقيقية.

 

إن كان هؤلاء يدفعون للبلدية مقابل “الاحتلال المؤقت” للمكان العام، فإن السؤال الجوهري يصبح: لماذا يُسمح أصلاً بتأجير الأملاك العامة بهذا الشكل؟ وهل بلدية صيدا تمارس دورها كحامية للمصلحة العامة، أم شريكة بحصتها من الأرباح في هذا الاستغلال المقنّع؟

 

ويُلاحظ أن الغالبية الساحقة من القيمين على هذه “القعدات” هم من الجنسيات غير اللبنانية، تحديداً من السوريين والفلسطينيين، الذين يعملون لساعات طويلة، في ظروف غير واضحة قانونياً من حيث التوظيف. ما يفتح الباب أيضاً أمام تساؤلات حول مدى التزام أصحاب هذه المشاريع بالقوانين اللبنانية المتعلقة بالعمل والعمالة الأجنبية!

 

الأسوأ من ذلك، أن هذه الظاهرة تضيّق الخناق على الأهالي البسطاء، الذين كانوا يلجأون للكورنيش للراحة والتمتع بمشهد البحر مجانًا. واليوم، بالكاد يجدون مكاناً فارغاً للجلوس من دون دون احتساب أجرة الطاولة والكراسي التي يجلسون عليها.

 

وقد حاول موقع “الجريدة” التواصل مع بلدية صيدا للحصول على توضيح رسمي بشأن هذه الظاهرة، والاستفسار عن آلية منح التراخيص وطبيعة العلاقة المالية مع أصحاب “القعدات”، إلا أن جميع محاولات الاتصال باءت بالفشل، ولم يصدر أي رد أو توضيح من قبل المعنيين.

وهنا لا بد من التأكيد أن الأماكن العامة ليست سلعة. وهي ليست مورداً مالياً يجب استغلاله من قبل السلطات المحلية عبر تأجيرها، ولا يحق لأي جهة أن تحوّل ما هو ملك للناس جميعاً إلى مصدر دخل خاص، سواء للبلدية أو للمستثمرين الصغار.

 

صحيح أن بعض البلديات تلجأ إلى “التأجير المؤقت” كنوع من تنظيم العمل، لكن حين يتحوّل التنظيم إلى احتكار، وعندما يُفرض على المواطنين “الجلوس بشروط”، فإننا أمام انتهاك حقيقي لحق عام.

 

صيدا بحاجة إلى إعادة نظر جذرية في هذه الظاهرة. على البلدية أن توضح للرأي العام: من يملك هذه المساحات؟ ما هي آلية التأجير؟ كم يدفع هؤلاء للبلدية؟ وهل هذه التسعيرات مراقبة؟ وإذا كانت البلدية تتقاسم الأرباح مع المستغلين، فأين تذهب هذه الأموال؟ وهل تُستخدم فعلًا لتحسين الخدمات في المدينة؟

في النهاية، الكورنيش ليس مطعماً، وليس مقهى، ولا يحق لأي جهة احتكاره. من حق الناس أن تجلس على أرصفة بحرها من دون أن تُجبر على دفع 15 دولار مقابل قهوة “سياحية” على كرسي بلاستيكي متهالك.. الكورنيش للناس.. لا للمصالح.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img