الخميس, يوليو 17, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةشريط الاحداث"الروتا" يهدد أطفال لبنان!

“الروتا” يهدد أطفال لبنان!

spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في قلب صيف لبنان اللاهب، وبين أزمات تتراكم على كل المستويات، عاد فيروس “الروتا” ليحجز لنفسه مكانًا في مشهد القلق الصحي. لم يعد مجرّد اسم معروف لدى الأهالي والأطباء، بل أصبح واقعاً مقلقاً يضرب الأطفال في عمر الورد، أجسادهم الصغيرة لا تقوى على مقاومته وحدها.

في كل المناطق اللبنانية، من الشمال إلى البقاع مرورًا بالعاصمة بيروت، يتكرر المشهد ذاته: أطفال يدخلون المستشفيات بإعياء واضح، شكاوى من إسهال حاد، قيء متكرر، ووجوه فقدت لونها الطبيعي بسبب الجفاف. الأطباء في أقسام الطوارئ يحاولون التدخل السريع، بينما الأهل يعيشون لحظات الخوف بين أنين أطفالهم وأسئلة لا يملكون لها أجوبة.
في الأسابيع القليلة الماضية، سجّلت المستشفيات ما يزيد عن 1200 حالة مؤكدة، وسط ترجيحات بأن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. كثير من الحالات لا تصل إلى المستشفى، إما بسبب نقص الوعي، أو لأن بعض العائلات لا تملك رفاهية الفحوص الطبية.

وفي وسط هذا المشهد، يتردد سؤال يطرق الأبواب بلا خجل: لماذا نسمح بأن يتكرر هذا الألم، رغم أن وسيلة الوقاية متوفرة ومعروفة؟

اللقاح، ذلك الدرع البسيط والفعال، لا يزال غائباً عن كثير من الأطفال. ورغم أنه مدرج في البرنامج الوطني للتحصين، ورغم حملات التوعية المتكررة، يبقى جزء كبير من الأهالي إما غير مقتنعين، أو غير قادرين على الوصول إليه.

أكد طبيب الأطفال الدكتور برنارد جرباقة، رئيس لجنة التحصين في وزارة “الصحة”، في حديث خاص لموقع “الجريدة”، عن قلقه من حالات الإسهال الحاد، خصوصاً تلك المرتبطة بفيروس “روتا”، علماّ أن حالات الإسهال هي موسمية، مؤكدًا أن ما يحدث الآن “يستدعي تحرّكًا من قبل الأهل من ناحية، والجهات الصحية المعنية، الحكومية والبلدية، من ناحية”.

وقال جرباقة: “فيروس الروتا يُعدّ من أخطر الفيروسات المعوية التي تُصيب الأطفال، خصوصاً دون السنتين. تكمن خطورته في سرعة الجفاف التي قد تحصل خلال ساعات، ما يجعل التدخل الطبي العاجل ضرورياً لتفادي مضاعفات مهددة للحياة، منها الفشل الكلوي أو الصدمة”.

وأوضح أنه “من أبرز أعراض الإصابة بهذا الفيروس، الإسهال المائي الشديد، القيء المتكرر، ارتفاع الحرارة، وأحيانًا آلام في البطن ونقص الشهية. أكثر ما يقلقنا هو الجفاف السريع، خاصة لدى الرضّع، حيث يمكن أن تظهر علامات مثل جفاف الفم، قلة التبول، وخمول شديد”.

وأشار إلى أن “اللقاح متوفر عالمياً ووطنياً، وأثبت فعاليته في تقليل نسب الوفاة، الدخول إلى الطوارئ والعناية الفائقة، كما والاستشفاء عامة، وذلك بنسبة تصل إلى 90% في الدول التي اعتمدته، وهو مُدرج في برنامج التلقيح الوطني في لبنان”.

وأضاف: “هذا اللقاح ضد “روتا”، بجرعتين أو ثلاث حسب النوع متوفر لدى أطباء الأطفال ومراكز الرعاية الصحية الأولية المنتشرة على مساحة لبنان. لكن ما زال عدد ملحوظ من الرضع والأطفال الذين لم يأخذون اللقاح يدخلون يومياً المستشفيات وهم في حالة جفاف”.

وعن سبل الوقاية، شرح جرباقة أنه “من وسائل الوقاية الفاعلة، هي النظافة: غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، تعقيم الأدوات والألعاب، والإبتعاد عن مصادر المياه غير المأمونة. كما أن الرضاعة الطبيعية تلعب دوراً وقائياً مهماً، كونها تعزز مناعة الطفل وتحميه. لكن الوقاية الأكثر فعالية تبقى في التلقيح، وهو متاح للجميع”.

وتابع جرباقة: “رغم تكرار تفشي الفيروس عاماً بعد عام، لا يزال قسم من الناس يتعاملون مع الروتا وكأنه طارئ موسمي عابر أو وعكة موسمية، من دون اتخاذ الخطوات الحقيقية للوقاية. فاللقاح، الذي يُعطى في الأسابيع الأولى من عمر الطفل، يُدرج ضمن الرزمة الأساسية التي توفّرها وزارة الصحة مجانًا، وقد نظمت وزارة الصحة حملات توعية عامة، وعلى العائلات حزم أمرها في ضوء التوصيات والتوجيهات المتوفرة”.

وأضاف: “على الحكومة والبلديات نشر معلومات حول سبل الوقاية مثل النظافة الشخصية، غسل اليدين، تعقيم الأسطح، استخدام المياه النظيفة أو أهمية الرضاعة الطبيعية التي تقلّل من احتمالات الإصابة، كما على الحكومة والبلديات أيضاً التأكد من سلامة الغذاء، صحة المياه المنزلية والمنقولة بالصهاريج، والقيام بحملات تذكير مركزية ومحليّة”.

وأكد أن فيروس “الروتا” يؤدي إلى أمراض ومضاعفات خطيرةمشدداً على شعار لقحوا اطفالكم، لا ينفع الندم.

أمام هذا الواقع القلق، يبدو أن لبنان لا يواجه فقط فيروساً يهدد حياة الأطفال، بل أيضاً أزمة وقائية أعمق، عنوانها غياب التلقيح وضعف التوعية المجتمعية. فبين مستشفيات تئن تحت الضغط، وأهالٍ قد يجهلون خطورة المرض أو لا يملكون القدرة على الوصول إلى اللقاح، تتسع الفجوة بين التهديد والاستجابة.

ولعلّ الرسالة الأهم التي ينبغي ترسيخها الآن هي أن الوقاية ليست رفاهية، بل ضرورة صحية ملحّة، والتلقيح ضد فيروس الروتا هو خط الدفاع الأول لحماية جيلٍ كامل من مضاعفات يمكن تفاديها بخطوة واحدة: لقّحوا أطفالكم، لا ينفع الندم.

spot_img
spot_img
spot_img
مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img