الأحد, ديسمبر 7, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderمن "النشوة" المؤقتة إلى الصدمة الإيرانية.. من الهدف التالي؟

من “النشوة” المؤقتة إلى الصدمة الإيرانية.. من الهدف التالي؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| زينة أرزوني |

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تبدلت قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي، لكن ما لم يكن في الحسبان، أن تُهشّم صورة “إسرائيل”، ليس فقط أمام خصومها، بل في عمق مجتمعها الداخلي. التطورات الأخيرة، لا سيما الهجوم الإيراني الواسع في أعقاب استهداف منشآتها النووية، أعادت خلط الأوراق، وكشفت عن مشهد إقليمي مختلف جذريًا عما رسمته تل أبيب في مخيلتها الاستراتيجية.

من النشوة بعد “طوفان الأقصى” إلى الصدمة الإيرانية

عاش رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نشوة مؤقتة بعد “طوفان الأقصى”، اعتبرها فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الإقليم وفق الرؤية “الإسرائيلية”. جاءت الحرب على لبنان، ثم عمليات موسعة في سوريا، ومحاولات متواصلة لتقويض النفوذ الإيراني. بدا وكأن “إسرائيل” تسير بخطى ثابتة نحو ما وصفته مراكز الفكر في تل أبيب بـ”شرق أوسط جديد”، ينسجم مع مصالحها، ويقصي كل من يشكل تهديدًا.

ترامب يتراجع: من “قلب النظام” إلى “حمى الله إيران”

لكن يوم 13 حزيران 2025 غيّر المعادلة بعد الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي، وعلى الضربات الخاطفة التي نفذتها طائرات الشبح الأميركية B-2، والتي استهدفت منشآت نطنز وفوردو وأراك النووية الإيرانية.
حينها لم يكن أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي راهن على أن ضربة واحدة كفيلة بإسقاط النظام في طهران، سوى التراجع المفاجئ. تغريداته تغيّرت خلال أيام من الدعوة لإسقاط النظام إلى تمني السلام لإيران. تحت ضغط البنتاغون، ومخاوف حلفائه الخليجيين، اضطر ترامب لإعلان وقف إطلاق النار وفتح باب التفاوض. لكن الفارق هذه المرة، أن طهران ستعود إلى طاولة المفاوضات وهي أقوى، تحمل في يدها أوراق ضغط جديدة، وستفاوض بشروط قصوى غير مسبوقة.

من طهران إلى أنقرة: من التالي؟

بعيدًا عن ضجيج المواجهة المباشرة مع إيران، بدأت المؤشرات تتجه نحو أنقرة، كهدف محتمل على رادار “إسرائيل”. تصريحات لافتة خرجت من زعيم حزب “الحركة القومية” التركي، دولت بهجلي، حذر فيها من أن “إسرائيل تسعى لتطويق جغرافية الأناضول”، معتبرًا أن “تركيا هي الهدف النهائي”.
مخاوف بهجلي لم تأتِ من فراغ. فبالتزامن مع تصاعد التوتر في المنطقة، سرّعت تركيا من وتيرة تطوير برنامجها الصاروخي، وسط إشارات “إسرائيلية” عدائية. وفي 11 حزيران، لمّح نتنياهو أمام الكنيست إلى “أوهام البعض بعودة الإمبراطورية العثمانية”، في إشارة بدت موجهة لأنقرة.
تغذي هذه المخاوف مقاطع مصورة متداولة على الإنترنت، يظهر فيها “معلقون إسرائيليون” وهم يتحدثون بصراحة عن “مواجهة محتومة مع تركيا”. وهي تصريحات لا تمر مرور الكرام في أنقرة التي ترى في هذه الإشارات مقدمات لاستراتيجية تطويق أو احتواء قد تتوسع لاحقًا إلى مواجهة مباشرة.

باكستان خارج الحسابات.. أم على الهامش؟

في خضم هذه التحولات، تقف باكستان على هامش الصراع. الدولة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، والتي تربطها علاقات استراتيجية بطهران، تفضل حتى الآن عدم الانخراط في التجاذبات الإسرائيلية ـ الإيرانية. مشاغل إسلام آباد تتمحور حول الهند وأفغانستان، لكن لا يمكن استبعاد تغير هذا الموقف في حال تصاعدت التهديدات أو توسعت رقعة الاستهداف الجغرافي.
رغم ذلك، يعتبر خبراء أن باكستان لا تشكل في الوقت الراهن محور اهتمام استراتيجي لتل أبيب، لكنها تبقى عاملًا غير قابل للتجاهل في أي معادلة إقليمية قادمة.
تصدّع في الجبهة الداخلية

اللافت في المشهد، أن التهديد الأكبر لـ”إسرائيل” في هذه المرحلة ربما لا يأتي من الخارج فحسب، بل من الداخل أيضًا. المستوطنون الذين عاشوا 12 يومًا تحت وابل من الصواريخ، وواجهوا انهيارًا شبه كامل في ثقتهم بالمؤسسة الأمنية، باتوا يشكلون عنصر ضغط متزايد على حكومة نتنياهو. أصوات المعارضة تتصاعد، وتطرح أسئلة محرجة: كيف انهارت أسطورة الردع؟ ولماذا تُركت الجبهة الداخلية بلا حماية كافية؟

في خضم هذه الفوضى، تتجه “إسرائيل” نحو مرحلة إعادة تموضع، ليس فقط خارجيًا، بل داخليًا. قد تضطر لتقليص طموحاتها الإقليمية مؤقتًا، من أجل ترميم جبهتها الداخلية، واستعادة ما يمكن من هيبتها التي تضررت بشدة.

الشرق الأوسط يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، حيث لم تعد “إسرائيل” اللاعب الأوحد الذي يتحرك دون محاسبة. معادلات الردع تغيرت، والتحالفات يُعاد رسمها، والضربات المتبادلة باتت تفرض قواعد جديدة.

اللاعبون الكبار: إيران، تركيا، “إسرائيل”، وربما لاحقًا باكستان، يدركون أن الصراع لم يعد حول من يطلق الرصاصة الأولى، بل من يملك القدرة على الصمود، وإعادة البناء، وتحقيق المكاسب السياسية في نهاية المطاف.

وفي هذا الشرق الأوسط الذي تتغير تضاريسه السياسية كل يوم، من يظن أنه بعيد عن مرمى النيران، قد يكون هو الهدف التالي.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img