دفعت التهديدات التجارية الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدولار إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، وسط تصاعد المخاوف بشأن التجارة والجغرافيا السياسية، ما زاد من الضغوط على العملة الأميركية.
وجاء التراجع بعدما أعلن ترامب عزمه إرسال رسائل إلى شركاء تجاريين خلال الأسابيع المقبلة تتضمّن معدلات جديدة للرسوم الجمركية، مع اقتراب انتهاء فترة التهدئة البالغة 90 يومًا بشأن ما يُعرف بـ”الرسوم التبادلية”.
وانخفض الدولار بنسبة 0.8% مقابل سلة من العملات، بينها اليورو والجنيه الإسترليني، ليتراجع إلى ما دون مستوياته التي سجّلها في أعقاب موجة “تحرير” الرسوم الجمركية في نيسان، ويبلغ أدنى مستوياته منذ آذار 2022.
وقال ديريك هالبني، المحلل في بنك MUFG، إن “تصريحات ترامب تشير بالتأكيد إلى تصعيد جديد في التوترات التجارية قبل الموعد النهائي الرسمي”.
وتتزامن هذه التطورات مع استمرار الأسواق في تقييم الهدنة التجارية المؤقتة بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، حيث سمحت إدارة ترامب بسحب العسكريين الأميركيين من المنطقة على خلفية ارتفاع المخاطر الأمنية.
وقال ترامب تعليقًا على التصعيد مع إيران: “لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي، الأمر بسيط جدًا”، في إشارة إلى تشدد إدارته في الملف النووي الإيراني.
ورغم استمرار الضغوط على الدولار، تعافت الأسهم الأميركية مؤخرًا، واقترب مؤشر S&P 500 من تسجيل مستويات قياسية جديدة، فيما أشارت العقود الآجلة إلى تراجع متوقع بنسبة 0.5% في وول ستريت. في المقابل، تراجعت مؤشرات الأسهم الأوروبية، وسجّل مؤشر Stoxx Europe 600 انخفاضًا بنسبة 0.9%.
إلى ذلك، ساهمت بيانات التضخم الأميركية المخيبة للآمال في تعزيز التوقعات بخفض أسعار الفائدة، حيث أظهر تقرير التضخم أن تكاليف السكن والبنزين والسيارات سجلت انخفاضًا في مايو. وتشير العقود الآجلة إلى أن الأسواق تتوقع خفضين في أسعار الفائدة هذا العام.
في المقابل، صعد اليورو إلى أعلى مستوياته منذ تشرين الاول 2021، مسجّلًا 1.160 دولار، مدعومًا بإشارات من البنك المركزي الأوروبي توحي بقرب نهاية دورة خفض الفائدة، مما ساهم في توسيع الفجوة أمام الدولار.
وقال فاسيليوس غكيوناكيس، كبير الاقتصاديين في شركة Aviva Investors، إن “ضعف الدولار لا يزال أمامه مجال للمزيد من التراجع”، مشيرًا إلى أن “التحول عن استثنائية الولايات المتحدة يرفع من علاوة المخاطر الأميركية”.
وفي السياق نفسه، أفادت تقارير بأن واشنطن قررت سحب جزء من قواتها من الشرق الأوسط، ما أدى إلى ارتفاع مؤقت في أسعار النفط بنسبة 4%، قبل أن تعود للانخفاض.
وأكد كريس سيسكلونا، الاقتصادي في شركة Daiwa Capital، أن “تصاعد التوترات يمثل مخاطرة كبيرة، وإذا وقع تصعيد حقيقي، فستصاب الأسواق بالذعر”.
أما على صعيد الملف النووي الإيراني، فقد شددت طهران على أنها لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول إيراني رفيع قوله إن “دولة صديقة” حذرت إيران من احتمال تعرضها لضربة عسكرية من “إسرائيل”.
من جهته، قال ترامب إن الولايات المتحدة سترسل قريبًا رسائل تحدد شروط الاتفاقيات التجارية إلى عشرات الدول، داعيًا إياها للقبول بها أو رفضها.
وفي تعليقها، قالت شاروا تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في Saxo Bank، إن الأسواق “قد لا يكون أمامها خيار سوى التفاعل مع تهديدات ترامب الجمركية، حتى لو كانت مناورة تفاوضية”.
ويُشار إلى أن سياسات ترامب التجارية هذا العام أثارت اضطرابًا واسعًا في الأسواق العالمية، ودفع العديد من المستثمرين إلى تقليص تعرضهم للأصول الأميركية، خاصة مع تزايد المخاوف من التباطؤ الاقتصادي والعجز، وإشارات إلى فرض ضرائب على الاستثمارات الأجنبية.














