/محمد حمية/
لم تحمل نتائج الانتخابات النيابية مفاجآت على صعيد إعادة ترسيم الحواصل الشعبية والتوازنات النيابية والسياسية بين القوى الحزبية على الساحة المسيحية.
المستجد هو نجاح كتلة حزب “القوات اللبنانية” برفع كتلتها النيابية من 15 نائباً في انتخابات العام 2018 (ثم تراجعت الى 13 بعد استقالة كل من النائبين قيصر المعلوف وجان طالوزيان من الكتلة)، إلى 18 نائباً في الانتخابات العتيدة، أي بزيادة 3 نواب فقط، بعد إعلان الفائز كميل شمعون انه لن ينضم الى كتلة “القوات” وكذلك الأمر رازان الحاج المحسوبة على المستقلين، فيما نسبت “القوات” جميل عبود “مستقلين” الى كتلتها علماً أنه لم يؤكد ذلك حتى الساعة.
كتلة “الجمهورية القوية” لم تُحرز تقدماً نوعياً، رغم ملامستها لحجم تكتل “لبنان القوي” الذي تربع على عرش الشارع المسيحي منذ “تسونامي” ميشال عون عام 2005.
فقد أظهرت النتائج أن “القوات” حصدت مقعدين في دائرة بيروت الأولى (غسان حاصباني وجهاد بقرادوني)، ومقعدين آخرين في جبل لبنان الأولى (شوقي الدكاش وزياد الحواط)، ومقعد في جبل لبنان الثانية (ملحم رياشي)، وواحد في جبل لبنان الثالثة (بيار بو عاصي)، ومقعدين في جبل لبنان الرابعة (نزيه متى وجورج عدوان).
وتمكنت “القوات” من اختراق عرين التيار الوطني الحر في جزين التي لطالما سُمّيت “بشري” “العونيين”، بالمرشحة (غادة أيوب).
وثبتت “القوات” حضورها عبر مقعدين اثنين (الياس اسطفان وجورج عقيص) وبمقعد سني (بلال حشيمي) في دائرة البقاع الأولى (زحلة).
وتمدد الاختراق “القواتي” إلى البقاع الثالثة – بعلبك الهرمل بنيلها مقعداً (أنطوان حبشي)، كما حصدت الياس الخوري في دائرة الشمال الثانية، ونالت ثلاث مقاعد في دائرة الشمال الثالثة (ستريدا جعجع، فادي كرم وغياث يزبك)، لكن المفاجأة “النكسة” جاءت من حيث لا تدري “القوات”، بهزيمتها في عرينها “بشري” مقعداً (جوزاف إسحاق).
رغم الظروف والعوامل الداخلية والخارجية المساعدة التي توافرت لـ”القوات”، إلا أنها لم تستطع حصد أكثر من 3 نواب ولا تجاوز كتلة التيار الوطني الحر.
ويمكن إبراز سلسلة عوامل منحت “القوات” دفعاً انتخابيا وشعبيا وسياسياً يمنحها فائض قوة، لكن لم تترجمه بنتائج الانتخابات العتيدة.
– بعد استقالة وزرائه من حكومة الرئيس سعد الحريري عقب أحداث 17 تشرين 2019، انصرف حزب “القوات اللبنانية” للتحضير للانتخابات النيابية 2022، وكان يدعو باستمرار الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لإعادة تحديد وترسيم الأحجام والأوزان لا سيما على الساحة المسيحية. ودأب حزب “القوات” على استغلال الأحداث المفجعة وعاصفة الانهيارات المتتالية التي ضربت لبنان لاستثمارها في السياسة، لصالح شد العصب المسيحي خلفها، واتخاذ هذه الأحداث منصة للتصويب على العهد ورئيس تياره النائب جبران باسيل وتحميلهما مسؤولية “خراب البصرة”.
– لا شك أن “الخطوة الانقلابية” التي نفذها سمير جعجع على العهد والحريري معاً وفق تعبير التيار الوطني الحر، بانسحابه من الحكومة وقتذاك (2019)، يندرج وفق ما يُشير معنيون لـ”الجريدة”، ضمن “مشروع حرب” خارجي لإشعال الشارع واستخدامه ضد العهد وحلفائه وعلى رأسهم حزب الله، لتأليب البيئة المسيحية والوطنية ضد التيار والحزب لإيصال “التيار” إلى انتخابات 2022 على “آخر نفس”. وكانت “معراب” آنذاك تسعى لتحقيق هدفين: اضعاف “التيار” في الوسط المسيحي، ونزع الشرعية المسيحية عن سلاح حزب الله لدفن تحالف “مار مخايل” بين “حارة حريك” و”الرابية” تلبية للإرادة الخارجية.
– ليس خافياً الدعم الأميركي – السعودي المطلق لـ”القوات” التي تقدم أوراق اعتمادها بشكل دائم للخارج كرأس حربة لمواجهة حزب الله وحلفائه المسيحيين (التيار والمردة)، وبالتالي ساهمت السعودية عبر الجولات المكوكية لسفيرها في لبنان وليد البخاري على المناطق السنية، لا سيما الى “عشائر العرب” في البقاع ومنزل المرشح على لائحة “القوات” بلال الحشيمي في زحلة، لتأمين الحاصل السني الوافر للوائح “القوات” في مختلف المناطق في ظل انفاق مالي هائل وفق معلومات ميدانية، فضلاً عن “الفتاوى الدينية” التي أصدرها “دار الفتوى” للتصويت للوائح المدعومة من المملكة.
– استفادت “القوات” من الحصار الاقتصادي الأميركي – الخليجي للبنان ولعهد الرئيس ميشال عون بحرب على العهد والتيار، منذ التسوية الرئاسية (2016). وقد كشف المسؤول الأميركي السابق ديفيد شينكر (كان معنياً بالملف اللبناني لسنوات”، منذ أيام قليلة اللثام عن جانب من الدور الأميركي في تسريع حصول الانهيار المالي في لبنان.
– تُظهر خريطة التحالفات أن “القوات” عقدت التحالفات مع قوى أخرى كالمستقلين (جهاد بقرادوني في بيروت الأولى) والعائلات (كميل شمعون) والقوى التقليدية وآخرين كبلال الحشيمي المرشح السني وذلك لتأمين عدد أكبر من الأصوات. كما استفادت من نسبة الاقتراع العالية للمغتربين وحرية حركة ماكيناتها الانتخابية في مختلف الدول لا سيما أميركا والخليج.
– استغلت “القوات” الاحتجاجات الشعبية وركبت “الثورة” بأسماء ومجموعات “قواتية” مموهة وملونة.
– استفادت “القوات” من وجود الرئيس عون في السلطة وسياسة النأي بالنفس التي اتبعتها عن نار الغضب الشعبي واشتغلت على نقاط ضعف وثغرات وأخطاء العهد و”التيار”، واستثمرتها شعبياً لجذب الناخبين اليها، وإيهام الرأي العام بأن سقوط العهد وتعويم “القوات” وتغيير الأكثرية النيابية وتحجيم حزب الله وحلفائه، عوامل ستغيّر الموقف الخارجي ويفتح طريق الانفراج الاقتصادي للبنان، وتجدر الاشارة الى نصيحة جعجع للبنانيين منذ أشهر قليلة (انتخبوا القوات بينزل الدولار).