| نورما أبو زيد |
انتخابات 2025 البلدية والاختيارية في جزين، لا تُشبه في شيء ذاك الفصل الذي كُتب في انتخابات 2016.
فالسبت، ليس فقط موعداً مع صناديق الاقتراع، بل لحظة مواجهة مع الذاكرة، مع ماضٍ مضى، كان فيه “التيار الوطني الحرّ” كجذرٍ راسخٍ في عمق الأرض. ولكن الصورة في الـ 2025 اختلفت كثيراً عنها في الـ 2016.
الصورة المحدّثة تقول إنّ “التيار” الذي كان يوماً وارفاً، قد ذوى وتقلّص ظلّه. تكسّرت أغصانه. تبعثرت أوراقه. كأنّ الزمن أدار له ظهره. والأرض التي كانت تنبض به، ما عادت تناديه.. ولكن لماذا؟
ذوى “التيار” في جزين، يوم قرّرت قيادته أن تُشذّب الشجرة بيدٍ لا تعرف البستان ولا تجيد “البستنة”. اجتثّت الأغصان المثمرة، التي كانت تمنح الظلّ والثمر، وتركت الجذع للطفيليات تعبث به، وتعيد تشكيله على صورتها.
وهو في الحالتين، خسر صوته وصورته وملامحه ونبضه، وخسر الجزء الأكبر من شعبيته التي كانت حاضرة في المجالس قبل الصناديق.
ليس عابراً أن يدخل “التيار الوطني الحرّ” ساحة المعركة البلدية في جزين وجبينه خالٍ من رئاسة اللائحة، ومن نيابة الرئاسة.
وليس تفصيلاً أن يرفع “التيار الوطني الحرّ” راية مرشّح سمّاه النائب السابق زياد أسود، ذاك الذي حاول التيار نفسه أن يُقصيه يوماً، فإذا به يلتحق به في اللحظة الحرجة، ليكون عنوان المواجهة.
وليس عادياً أن يكتفي “التيار” بستة مرشّحين فقط، لم يخضعوا لفحص DNA مركّز، في لائحةٍ تتسع لثمانية عشر مرشحاً، كأنّه يقف على أطرافها، لا في قلبها، مشاركاً لا قائداً، هامشاً لا محوراً.
فهل كان “التيار” ليجرؤ على تنصيب اسمٍ على رأس اللائحة، لولا أنّ أسود مهّد الطريق بمرشّح توافقي؟ ولماذا آثر من راكم ثلاث عشرة سنة في البلدية والاتحاد أن لا يشكّل لائحة كاملة. أن يقف على الهامش. أن لا يبادر؟ أهو الخوف من حصاد أداءٍ خافتٍ في جزين، يشبه ذاك الأداء الباهت في البلدية والاتحاد؟
ثمّ، أليس غريباً أن يُصوّب رأس “التيار” سهامه على مرشّح “القوات اللبنانية” لرئاسة البلدية بشارة عون، بذريعة رخصة مقلع، مُنحت له أصلاً حين اشتدّ الخناق المالي على رئيس البلدية “التياري” خليل حرفوش، الذي لم يجد حرجاً حينها — بفضل هندساته المالية الناجحة — في الاستعانة بعقدٍ بالتراضي؟ وهل لحس حرفوش أصلاً توقيعه، ليتمّ التصويب على عون وحده؟ وفي توزيع المسؤوليات، من يتحمّل المسؤولية أكثر؟ صاحب التوقيع أم صاحب الأموال؟ ثمّ ماذا عن مثلّث لبعا ـ كفرفالوس ـ مراح الحباس. من حماه؟ ومن غطّاه؟ ومن غذّاه؟ ومن أمّن استمرارية نهشه لجسد المنطقة حتى بعد صدور قرارات قضائية؟
باختصار، انتخابات 2025 ليست كانتخابات 2016، لأنّ “التيار” لا يشبه صورته، وهوية اللائحة لا تشبه ادّعاء “الضيوف”.
في انتخابات 2016، كانت جزين “بشري العونيين”، وكان زياد أسود عمودها الفقري، وصوتها العالي الذي لا يساوم. لم يكن نائباً فقط، بل كان وجداناً يحمل لواء المواجهة، ولا يرتدي أقنعة متحرّكة خلف ولاءات غير ثابتة.
أمّا في انتخابات 2025، فلم تعد جزين تلك المدينة التي تنبض بروحٍ واحدة، ولم يعد “التيار” ذاك الحزب الذي يحمل وهج البدايات. هو اليوم يجلس على كرسي متحرّك. يُدفع ولا يمشي. يُقاد ولا يقود. صوته خافت وبالكاد يُسمع.
فهل سألت قيادة “التيار” نفسها: من الذي قطع نَفَسَها وهي في عزّ صوتها؟ وهل تساءلت إن كان زياد أسود حنجرتها، واستنتجت بالتالي أنّه عندما رفع صوته في ملفّات تمسّ جزين في جوهرها، كان صدى لصوته لا صدى لصوتها، وأنّ صوتها خفت لأنّه لم يكن صدى لصوته؟
هل ساءلت قيادة “التيار” الذين قادوا جزين المنطقة ـ وليس فقط البلدة والبلدية ـ إلى حافة الانهيار؟ هل سألت من أفرغ خزائن المدينة، وتركها على شفير الانهيار المالي والخراب الإداري؟ هل سألت عن الأموال والهبات التي عبرت ولم تُثمر، عن الدعاوى القضائية المكدّسة في الأدراج، والمجمّدة بقدرة “محافظ” لم يجد من يسأله أو يسائله في عهد بسام المولوي؟
هل سألت عن الافتراءات المنظّمة في محاضر ضبط مفبركة؟
هل قدّمت اعتذاراً صريحاً للناس، أم تراهن على النسيان؟
وهل، وهل، وهل…
أسئلة ثقيلة، تتفادى القيادة الإجابة عنها، كمن يخشى أن ينظر خلفه فيرى أثر الفقد لا النصر.
السبت يوم آخر في جزين، حين يُفتح الصندوق وتُفرز الأصوات. لن يكون انتصار رئيس اللائحة دافيد الحلو انتصاراً للتيار، بل سيكون انتصاراً لمصداقية الرجل نفسه، لعائلته الصغيرة والكبيرة، لشقيقه غازي، صاحب العطايا السخيّة بعيداً من مزايدات ومزادات الانتخابات النيابية والبلدية. سيكون انتصاراً لزياد أسود ومناصريه ومحبيه.
سيفوز دافيد الحلو، لا لأن “التيار” دعمه، بل لأن جزين اختارته، واختارت معه نهجاً مختلفاً. وسيمضي الجزينيون بخيار أسود. خيار فتح الطريق أمام أسماء جديدة من اللائحتين بعيداً من الاصطفافات الحزبية. أسماء لا تنتمي إلى السجن الحزبي الكبير.
أما “التيار”، فإن فاز — ولن يفوز — بمرشحيه الستة، فسيبقى حضوره محصوراً في حجمهم. ستة من أصل ثمانية عشر… لا ثلث، ولا وزن، ولا قرار!














