الأحد, ديسمبر 14, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderزيارة إلى الخليج عبر أثير "العصر الإسرائيلي"

زيارة إلى الخليج عبر أثير “العصر الإسرائيلي”

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

يعرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب جيداً أن “لا أهلاً ولا سهلاً” بزيارته إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى بعض دول مجلس التعاون الخليجي. ويعرف أنه لا على رحب، ولا على سعة. ورغم ذلك، يعرف أنه سيلقى إستقبالاً فائضاً بالبروتوكول، تتقدمه الخيول، وقرقعة الطبول، ووفق الأصول، كونه رئيس أقوى دولة. وكون حديقة المصالح غالباً ما تفتح أبوابها، أمام زيارات غير مستحبة، تقتضيها الظروف، وللظروف أحكامها.

ويعرف جيداً، أن موكبه بإتجاه المنطقة يطفو على بحر من الدم العربي. دم غزّة، والضفة، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن… ويعرف أن جبالاً من الأحقاد تشكل قنطرة يدلف من تحتها غير عابىء بالإنتقادات والهمهمات، ينفضها عن كتفيه، كما ينفض الغبارعن سترته، ويمضي نحو ثلاثة تريليونات من الدولارات، يريدها على مدى أربع سنوات من ولايته، تحت شعار الإستثمار، وتوثيق المسار.

وتبقى الزيارة مهمّة، كونها تعبر فوق منعطفات مصيريّة خطرة تجتازها دول المنطقة، أولها سؤال جوهري: هل يريد فعلاً تكريس “إسرائيل أولاً” في الشرق الأوسط، مقابل “أميركا أولاً” في العالم؟

وبسؤال أكثر بساطة: هل يريد إلحاق العالم العربي بالعصر الإسرائيلي؟ أو تكريس التفوّق الإسرائيلي على العالم العربي؟

حتى الآن هو شريك بنيامين نتنياهو في المذبحة، سواء في غزّة، أو في دول المحور. وهوالحليف الوفي لتل أبيب، المخطّط، الداعم بالمال، والسلاح، والخبرات، والتقنيات. وهو الذي يعلن صراحة ما يريده لدول المنطقة، وما لا يريد. وما يريده يتماهى تماماً مع الذي يريده نتنياهو، وما يريده نتنياهو هو صناعة شرق أوسط جديد، وفق مواصفات ومعايير المطامع الإسرائيليّة، والتي لا تقيم وزناً للسيادات، والجغرافيات، وكل هدف أمامها، مباح ومستباح…

المنعطف الثاني الذي يمرّ بموازاته، جعل العالم العربي بين فكيّ كماشة: الإسرائيلي من طرف، والإيراني من طرف آخر.

يساعد على ذلك، وجود كمّ لا بأس به من الأحزاب والتنظيمات والمنظمات الشديدة السواد، والخارجة من مجاهل التاريخ، وجحور الجغرافيا، لتعيث في الأرض فساداً، وتقوم بكل ما يخدم مطامع ومطامح الفكّين الضاغطين بهدف عصر الإمكانات العربية، والتلذّذ بنكهاتها.

سؤال أول: ماذا يحمل ترامب بجعبته إلى العرب حول إيران؟ هل سيكون صريحاً، جريئاً، شفّافاً في قول الحقيقة، حول ما حقّقته المفاوضات؟ ولماذا يفاوض؟ ولتحقيق أيّ أهداف؟ وهل ستنجح فعلاً المفاوضات، وتحقق المسار المرسوم، أم أن خيارات نتنياهو العدوانية ستدخل عل الخط، وفي التوقيت الذي يختاره مع واشنطن، ليأخذ المنطقة نحو منحى تصعيديّ آخر؟ ثم ما هو مستقبل مصالح الدول العربيّة، وأمنها، وإستقرارها، وحاضرها، ومستقبلها بنتيجة هذه المفاوضات؟

هناك خشيّة بدأت ترتسم في الأفق، من أن يستودع عواصم الدول التي سيزورها، رزمة من الضمانات المخدّرة، لتمرير المرحلة، ومعها المخطط، بسلاسة، ومن دون ضجيج!
والسؤال البديهي الثاني: هل يبيع ترامب جلد الجمل العربي في سوق المفاوضات ـ عفواً المقايضات ـ مع الإيراني؟

كلامه حول الحوثيّين في اليمن حمّال أوجه. يقول إنه توصّل معهم إلى “صفقة”. لا يمطرهم بالقنابل، والصواريخ، والمسيّرات، مقابل ضمان سلامة السفن الأميركيّة في البحر الأحمر!
إنه تاجر ماهر، مراوغ، هاوي صفقات، ومطوّر عقاري ناجح، ورجل أعمال يبغي الكسب السريع، والربح الصافي، وليس برئيس أقوى دولة، سقفه القانون، والدستور، والقيم الأخلاقيّة، والعلاقات الدوليّة القائمة على النديّة والمصالح المشتركة. ولا هو برئيس يحفظ الكرامات، ويقيم وزناً للمعايير الإنسانية. إنه يقدّم النموذج الأصعب، والأكثر إثارة للجدل، فمن يضمن الرئيس الذي يفترض به أن يكون هو الضمانة؟ ومن يقنع الشركاء في كلّ ما يقوله، ويتوعّد به، إذا كان الموقف الذي يطلقه في ساعات الصباح، يتغير مرّات عدة خلال النهار، وقبل إستراحة المساء؟!

أما المنعطف الثالث الذي يمر به موكبه، قبل بلوغه الخليج، فينطلق من السؤال الآتي: يريد تعميم “النموذج الإبراهيمي” على الدول العربية، والسعوديّة في الطليعة، لكن بأي معايير ومواصفات؟ لم يطرح أساساً. لم يقدّم قاعدة. لم ينطلق من نظريّة قابلة للبحث والتفاوض، وكأنه يأتي ليملي، ويوزّع توصيات، ويحدّد مسافات زمنية لوضعها موضع التنفيذ، ومن دون إعتراض!

وما بين “العصر الإسرائيلي”، أو خيار “إسرائيل أولاً”، وبين عالم عربي مضغوط بين فكّي كماشة إسرائيليّة ـ أيرانيّة، يريد ترامب من العرب، وتحديداً الخليجيّين، الإلتحاق فوراً بركب القطار الإبراهيمي. كيف؟ ما هي الضمانات؟ ماهي الفوائد والمكافآت؟ للحديث عنده صلة. ما يريده راهناً هو الإلتحاق. وبعده، وفي ضوء ما يتحقّق، يصار البحث بالمواصفات، ومستقبل العلاقات!

طرحت الرياض رسميّاً على واشنطن ـ وأيضاً عبر وسائل الإعلام ـ معادلة تقول إن الدولة الفلسطينية المستقلة هي الطريق المؤدي إلى الإتفاق الإبراهيمي. وإن إعتراف الولايات المتحدة، و”إسرائيل” بالدولة الفلسطينيّة ومقوماتها الطبيعيّة البديهيّة، ضمن إتفاق الأمم المتحدة بحل الدولتين، هو الممر الإلزامي للبحث بمواصفات الشرق الأوسط الجديد الذي يرضي العرب، وسائر الآخرين في المنطقة. فهل يفعل ترامب، ويقبل، ويستجيب؟

يبقى أن المملكة العربيّة السعودية مؤتمنة على المبادرة العربية للسلام التي خرجت من قمة بيروت، بإصرار من الكبير الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان يومها وليّاً للعهد، ورئيساً للوفد السعودي. فهل يأخذ ترامب بسياق المبادرة، أم يريد الإستمرار بعنجهيته المفرطة، والتي لا تقيم وزناً للمبادرات، ولا للحقوق، والحقائق؟

مسبقاً… يمكن القول إن الجولة ـ إذا ما تمّت في مواعيدها المقرّرة ـ ستكون ناجحة من منظار ترامب، ووفق معاييره.. ولكن هل ينقذ الشرق الأوسط من ثورة البراكين المتأججة، ويحرّره من تبعات “العصر الإسرائيلي”؟

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img