| زينب سلهب |
استذكر لبنان ذكرى 6 أيار وشهداء الصحافة، بوقفة تضامنية في ساحة الشهداء، دعا إليها وزير الإعلام بول مرقص ونقابتا الصحافة ومحرري الصحافة، حضرها عدد كبير من الإعلاميين، وتم خلالها تكريم الصحافيين.
وقد جاءت هذه الذكرى بعد عام طويل من الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت الصحافيين في لبنان، خلال حرب الإسناد مع غزة، والتي حاول خلالها العدو الإسرائيلي قتل الكلمة الحرة، وإسكات صوت الحقيقة، باستهداف مراسلين ومصورين وصحافيين، خلال تأديتهم واجبهم الإعلامي في الميدان، لا سيما في الجنوب.
في لبنان، “حرية الصحافة” تعبير مجازي، يتم اغتياله أثناء ممارسة المهنة.
يعود تاريخ 6 أيار لأوائل القرن الـ19، بعد المجزرة التي نفذها “العثمانيون” آنذاك بحق الصحافيين في ساحة البرج (ساحة الشهداء الآن)، لاتهامهم بالسعي للتخلص من الحكم العسكري التركي والالتحاق بالثورة العربية لنيل الاستقلال.
ومنذ ذلك التاريخ إلى عهد الوصاية السورية التي سبغت لبنان بعد انتهاء حرب السنتين الأهلية عام 1975، حتى العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، لم يسلم الصحافيون من آلة القتل المتواصلة من قبل الأطراف التي تحاول إسكات أصواتهم، وإلغاء دورهم في لبنان.
بعد المجزرة بحق أهل الصحافة خلال الحكم العثماني، كرت سبحة الاغتيالات والاعتداءات على الصحافيين في لبنان، فاغتيل الصحافي نسيب المتني، في 27 أيار 1958. وفي الخامس من أيار 1966، اغتيل مؤسس وناشر جريدة “الحياة” كامل مروة. وفي شباط العام 1980، اختطف الصحافي سليم اللوزي ووجدت جثته ملقاة في أحراج عرمون. وفي 23 تموز 1980، نالت يد الإجرام من نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه.
وتعرّض عدد من الصحافيين اللبنانيين للخطف، ومحاولات الاغتيال، كمحاولة اغتيال ناشر جريدة “السفير” الصحافي طلال سلمان، عام 1984، واثناء موجة اغتيال المفكرين والناشطين الشيوعيين تم خطف واغتيال الصحافي سهيل طويلة عام 1986.
لائحة شهداء الصحافة في لبنان تطول، ففي عام 2005 وبعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، استشهد الصحافي سمير قصير بعد تفجير سيّارته، وتبعه جبران تويني بتفجير استهدفه في 12 كانون الأوّل من العام عينه ومحاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق في عام 2005 فضلاً عن محاولة اغتيال الصحافي والنائب مروان حمادة في 2004.
وفي المقابل، تنوعت الاعتداءات على الصحافيين اللبنانيين، من الاغتيال، والترهيب، الى الخطف، والسجن. كما أدخل عميد صحيفة النهار غسان تويني السجن مرات عدة بسبب مواقفه. وتعرّض عدد كبير من صحافيي لبنان لتوقيفات وأحكام قضائية، نتيجة مواقف وآراء تضمنتها مقالاتهم.
خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، استهدف العدو الإسرائيلي عدداً من الصحافيين والمصورين في الجنوب، اثناء قيامهم بواجبهم الصحافي، وتغطية العدوان على الأراضي اللبنانية، والذي بدأ أولاً في الجنوب.
استشهد المصور اللبناني الذي يعمل في وكالة “رويترز” عصام العبدالله، في تشرين الأول من العام 2023، بقصف إسرائيلي طاله وعدد من الصحافيين في الجنوب، حيث جرح إلى جانبه 6 آخرين، خلال تغطية إعلامية كانت تنفذها محطات تلفزيونية في المنطقة.
وكان عصام أول المستهدفين من الصحافة في الجنوب، ليعود العدو الإسرائيلي ويستهدف المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري، من فريق عمل قناة “الميادين”، في بلدة طير حرفا في جنوب لبنان، في 21 تشرين الثاني من العام نفسه.
وفي منتصف عدوان أيلول الغادر، وبعد أن طالت آلة القتل الصهيونية عدداً كبيراً من المدنيين والمقاتلين، استهدف الاحتلال كلّ من وسام قاسم المصوّر في قناة “المنار” وغسان نجّار المصوّر في قناة “الميادين” ومحمد رضا مهندس البث في “الميادين”، وجرح صحافيّين آخريّن هما المصوّران في قناة “القاهرة” حسن حطيط وزكريا فاضل.
وبهذا، دونت “إسرائيل” جرائمها في لبنان بخط عريض، استهدف الكلمة والحقيقة، وحاولت إسكات من قرر أن يقاوم بصوته دفاعاً عن أرضه، وفي ظل مجتمع دولي لم يستطع حتى اليوم، اتخاذ إجراءات تحمي الصحافيين الذين يعرفون عن نفسهم خلال الحروب ببزة وخوذة، لتفريقهم عن الآخرين، وهو ما لا ولم تكترث له “إسرائيل”، خلال حروبها في الشرق الأوسط بشكل عام.
وقد اكتفى المجتمع الدولي بجمل استنكار وإدانة سخيفة، لا تقدم للشهداء شيئاً، ولا تأخذ حقوقهم من الكيان الغاصب حتى بعد قتلهم، فهل ستشهد أعوامنا القادمة قوانين تحمي حرية الصحافة والإعلام، وترفع يد القاتل عن منبر الصحافة؟














