اقتراحات قوانين انتخابية لتعبئة الوقت

| رلى ابراهيم |

قبل نحو عام على موعد الانتخابات النيابية المقبلة، فتحت الأحزاب اللبنانية في المجلس النيابي أمس معركة القانون الانتخابي، وهو ما دأبت عليه عند كل استحقاق انتخابي، بتقديم اقتراحات قوانين انتخابية، بهدف «الإصلاح» أو «النكايات» السياسية للإطاحة باقتراحات جهات سياسية أخرى أو رفعاً للسقف تمهيداً لمقايضة ما.

وناقش النواب في جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس اقتراح قانون أعدّته «كتلة التنمية والتحرير» وتقدّم به النائب علي حسن خليل لاعتماد نظام جديد في الانتخابات يقوم على اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، مع لوائح مقفلة وإلغاء الصوت التفضيلي، واقتراح قانون ثانٍ لانتخاب مجلس شيوخ مؤلّف من 46 عضواً تكون مدة ولايتهم 6 سنوات، ويُنتخبون على أساس النظام النسبي، على أن تتوزّع المقاعد مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وتُوزّع تبعاً للمحافظات والمذاهب.

وفي الأسباب الموجبة لتغيير القانون الحالي كما جاء في الاقتراح الذي تقدّم به خليل أنه «حوّل المنافسة إلى منافسة بين المرشحين ضمن اللائحة ذاتها، كما أن نظام الاقتراع المعتمد شوّه صحة التمثيل، ما أدّى إلى خسارة مرشحين حصلوا على آلاف الأصوات وفوز مرشحين حصلوا على عشرات الأصوات وهم في لائحة واحدة».

واعتبر الاقتراح أن تقسيم الدوائر إلى 15 دائرة «جرى من دون معايير علمية وعزّز الطائفية والمذهبية». ويحدّد الاقتراح تفاصيل النظام الانتخابي الجديد المبنيّ على آلية تتيح للناخب الاقتراع للائحة واحدة بين اللوائح المتنافسة على أن يتم احتساب النتائج وفق النظام النسبي كما في القانون الانتخابي الحالي.

إنما الفارق في ما عدا إلغاء الصوت التفضيلي، أن الحاصل الانتخابي في اقتراح خليل هو نتيجة تقسيم عدد المقترعين على المقاعد الـ128، على أن يُحتسب الحاصل الجديد بعد استبعاد اللوائح التي لم تنل الحاصل. وتُقسّم أصوات كل لائحة على الحاصل الجديد مع اعتماد الكسر الأكبر للمقاعد التي تبقى شاغرة، أما طريقة تحديد الفائزين في كل لائحة فتعتمد الترتيب المُسبق للمرشحين، أي عبر البدء بالاسم الأول من كل لائحة ثم الثاني ثم الثالث وصولاً إلى استيفاء كل لائحة لحصتها مع الالتزام بالتمثيل الطائفي والمناطقي.

وبحسب المدير العام لشركة «ستاتيستكس ليبانون» ربيع الهبر، فإن الحسنة الوحيدة في هذا الاقتراح هي آلية الفرز الأفقي للرابحين، أي اختيار الفائز الأول في اللائحة الأولى ثم الأول في اللائحة الثانية ثم الانتقال إلى الفائز الثاني في اللائحة الأولى ومثله في اللائحة الثانية إلى حين نفاد الحصة بما يتيح للأوائل الفوز، بخلاف الآلية العَمودية المُعتمدة في القانون الحالي.

أما الترتيب المسبق للأسماء في اللائحة، فيعتبره الهبر أحد المساوئ الأساسية بحيث يمنح رئيس اللائحة أو الحزب القرار بتحديد الاسم الذي يرغب بفوزه مسبقاً فيضعه في أول اللائحة ويرمي بمن لا يريدهم سوى تكملة عدد في كعب اللائحة لمعرفته بأنهم لن يحصلوا على فرصة للفوز.

والأهم أن هذا الاقتراح «يعزّز الزبائنية والعلاقات المالية ضمن الأحزاب، فتُعطى رفاهية تصدّر اللائحة لمن يدفع أكثر لا للأكفأ أو الأفضل تمثيلاً لمنطقته». ومن جهة أخرى، فإن الاقتراح كما هو «يلقى معارضة مسيحية شاملة لأنه يمنح الأكثرية العددية نفوذاً كبيراً، ما سيؤثّر على المسيحيين ويعيدهم إلى مرحلة إيصال 30% فقط من نوابهم».

في المقابل، أعاد التيار الوطني الحر نفخ الروح في «القانون الأرثوذكسي» الذي كان محلّ خلاف بين القوى السياسية عام 2013. ويعتمد هذا القانون على النسبية مع صوت تفضيلي واحد، على أن تنتخب كل طائفة نوابها فقط، وتشكّل لوائح تضمّ مرشحين من طائفة واحدة حصراً بما يوازي عدد المقاعد المُخصّص لها. وأدخل التيار تعديلات على الاقتراح كالكوتا النسائية وكل الإصلاحات الواردة في القانون 44/2017 (القانون الانتخابي الحالي) من ميغاسنتر وبطاقة ممغنطة وانتظام العملية الانتخابية.

وأوضح النائب سيزار أبي خليل لـ«الأخبار» أن «منطق التيار واضح جداً ويراعي البيئة التي يعيش فيها. فإما إلغاء الطائفية كلياً وليس السياسية فقط كما تطرح بعض القوى بحيث تُغلّب طوائف على أخرى، أو تطبيق الديمقراطية التوافقية المعتمدة في أكثر الدول تحضّراً وعصرية».

وأضاف: «نحن مع تطبيق العلمنة الشاملة وطنياً وسياسياً واجتماعياً وعندها نقبل بانتخابات خارج القيد الطائفي لا كما يطرحونها اليوم بانتقاء ما يعجبهم ويفيدهم منها. وإلا الحل الآخر والوحيد لا يكون سوى بالميثاقية والمناصفة والالتزام باتفاق الطائف».

وفي هذا السياق يرى الهبر أن «الأرثوذكسي قانون مذهبي ولو أنه يمنح المسيحيين حقوقهم، إنما يقود إلى مشادّات طائفية وإلى فصل مذهبي وإلى اعتماد لوائح مقفلة من لون معيّن»، خالصاً إلى أنه «لا قانون خليل جيد ولا قانون التيار. الاقتراحان ما بيسووا ومرفوضان».

وفي حصيلة النقاشات النيابية، وبما أن الغالبية اعترضت على طريقة وصول اقتراح خليل إلى اللجان المشتركة واعتبرته فرض أمر واقع، وفيما أبدى آخرون كالكتائب رغبة في تقديم اقتراح في هذا الخصوص إذا ما فُتح النقاش حول القانون الانتخابي، قرّر المجلس التريث وإحالة الاقتراحات إلى لجنة فرعية متخصّصة للتعمّق في دراستها، خصوصاً أن الأحزاب المسيحية اعترضت بالإجماع على طرح خليل المتعلّق باعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة في ظل الوضع الحالي، ومن دون إصلاحات دستورية سابقة، ما «يتعارض مع اتفاق الطائف ويساهم في إضعاف التمثيل المسيحي وقدرة المسيحيين على إيصال كل نوابهم».

كما أن الغالبية لم تستسغ العودة إلى النقاش في الأرثوذكسي الذي قُدّم كردّ على «إعادة حركة أمل عقارب الساعة إلى الوراء ومحاولة المسّ بالتمثيل المسيحي».

لكنّ الواضح أن كل القوى الممثّلة في المجلس النيابي غير جاهزة للغوص في البحث في قانون انتخابي جديد قبل عام على الانتخابات، خصوصاً أن القانون الحالي استغرق وقتاً وجهداً لإقراره، والأجدى العمل على تطبيقه كاملاً مع كل إصلاحاته بما فيها الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة وإضافة ستة مقاعد للاغتراب.

ورغم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يفضّل الدائرة الواحدة على أساس النظام النسبي، إلا أنه يدرك أن موازين القوى في المجلس لا تسمح بإقراره، كما أن رغبته باعتماد صوتين تفضيلييْن في القانون الحالي بدل صوت تفضيلي واحد من منطلق «تنويع الخيارات السياسية» تواجه رفضاً من الأحزاب المسيحية التي تعتبر أن الصوتين التفضيلييْن يؤثّران سلباً على الأصوات المسيحية في المناطق المختلطة.

من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن رئيس الحكومة نواف سلام ينكبّ منذ مدة، بالتعاون مع مستشاريه، على مراجعة القانون المختلط الصادر عن لجنة فؤاد بطرس عام 2005، والتي شكّلها رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة وكان سلام نفسه عضواً فيها.

والغرض من ذلك، ربما إعادة طرحه أو إنزال بعض بنوده على القانون الحالي لناحية تقسيم المحافظات وفصل بعض المناطق للحدّ من تأثير بعض القوى الكبرى كحزب الله مثلاً في بعض الأقضية.

وهذا، إن صحّ، سيؤسّس لنزاع داخلي، لأنه يستكمل المشروع الأميركي – الإسرائيلي بتحجيم وجود حزب الله وتمثيله. لذلك ثمّة إجماع بين مختلف القوى على أن ما يجري حالياً ليس سوى شدّ حبال في محاولة للفوز بمكتسبات داخلية أو خارجية، فيما الكلّ يدرك أن الوضع اللبناني الهشّ لا يحتمل تغيير شيء ولو فاصلة في القانون الانتخابي باستثناء تطبيق الإصلاحات العالقة كالميغاسنتر والبطاقة الممغنطة وإعادة الاعتبار للنواب الستة المُفترض انتخابهم في الاغتراب، وهي مسائل من صلب مسؤولية الحكومة الحالية التي لم تعر أيّ أهمية لها بعد.