| مرسال الترس |
يعيش اللبنانيون آمالاً عراض بالتوجه نحو الأمن والاستقرار الكاملين في عهد الرئيس العماد جوزاف عون، على خلفية أن “الجنرال” قد وصل على “حصان أميركي أبيض”، سيفتح أمام عهده أبواب جنة الاستثمارات التي تؤدي إلى الرخاء والبحبوحة، كما حصل مع عهد الرئيس كميل شمعون الذي تسلم الحكم عام 1952، وبخاصة أن العهد الجديد قد حظي بالقاضي نواف سلام كأول رئيس حكومة قادماً من رئاسة المحكمة الدولية.
ويبدو أن اللبنانيين قد سها عن بالهم أن الرئيس الثاني للجمهورية الوليدة، المحامي كميل شمعون قد وصل إلى “قصر القنطاري”، المقر الرئاسي القديم قبل الانتقال إلى قصر بعبدا، على أكتاف حكومة المملكة البريطانية التي استمالت العدد الكافي من النواب، بعد أن خدعت الفرنسيين الذين كانوا يدعمون المرشح المحامي حميد قبلان فرنجية، والتي كانت تعتبر نفسها الأم الحنون للوطن الذي يتصدره الموارنة، والذي منحته الاستقلال بعد استعمار لبضعة عقود.
ولأن الانكليز والأميركيين مرتبطان بـ”حبل سرّة” واحد، وعدت واشنطن ـ الداخلة آنذاك حديثاً إلى منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ـ الرئيس شمعون بالمنّ والسلوى، وشراء التفاح اللبناني “حتى لو جرى رميه بالبحر”، إذا ما إنضم إلى “حلف بغداد” الذي تأسس مطلع العام 1955 من بريطانيا والعراق وتركيا وإيران وباكستان، ليكون بمواجهة المدّ السوفياتي الذي كانت فيه مصر والرئيس جمال عبد الناصر رأس حربة لمواجهة الحضور اليهودي الذي ابتلع الجزء الأساسي من فلسطين عبر “وعد بلفور”. ولكن عهد شمعون انتهى بثورة العام 1958 التي حالت بينه وبين تمديد عهده، كما حصل مع سلفه الشيخ بشارة الخوري.
فهل يُستعاد المسرح نفسه بوجوه جديدة بعد سبعة عقود، ولكن عبر ديكور متجدّد وممثلين لم يقرأوا مضمون أدوارهم جيداً؟
المسرح الشرق أوسطي إنقلب رأساً على عقب، إثر الحرب التي تولدت بعد عملية “طوفان الأقصى” بقنابل أميركية متطورة وغير مسبوقة في المنطقة، وبمدير مسرح هو رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قرّر تغيير صورة وخرائط الشرق الأوسط، فنجح جزئياً في قطاع غزة بعد أن دمّره شرّ تدمير، وهو مصمّم على تحويله إلى “ريفييرا” شرق المتوسط بسيناريو وضع خطوطه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكذلك بـ”تشليع” سوريا ابتداء من الجنوب الدرزي إلى الساحل العلوي مروراً بالشمال الشرقي الكردي، وربما أكثر من ولاية سنيّة، بغض النظر عما يمكن تخبئه لمصر ذات التاريخ الفرعوني، أو المملكة الأردنية الهاشمية المهددة دائماً بزيادة “حمولتها” الفلسطينية.
رحم الله الرئيس الخامس للجمهورية اللبنانية الراحل سليمان فرنجية الذي كان يردّد في مؤتمراته الصحفية الأسبوعية عبارة “إذا كانت عداوة أميركا مصيبة، فصداقتها كارثة”. ولأنها بمفهومها الاستعماري تتصرف مع أصدقائها بأسلوب “الكاوبوي” الذي يصفع صديقه فجأة ويركب حصانه ويبتعد مسرعاً، من دون أن يكون مضطراً أن يترك وراءه أي ارتباط خلافي كالبريطاني أو ثقافي كالفرنسي.
ولكّن اللافت أن اللبنانيين يقفون على مفترق طرق بالغ الخطورة يحمل بتفاصيله الدقيقة منعطفين: إما الذهاب نحو التطبيع المفروض بمفهوم إسرائيلي، أو الاستمرار بالحرب إلى ما شاء راسمو الخرائط!